إكرام الأطهار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك ، نحمدك ربنا لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلما كان متن (منار الأنوار) في أصول الفقه للإمام النسفي - رحمه الله ورضي عنه - هو أكثر المتون التي عليها الاعتماد مؤخرا في أصول الفقه، كان مختصره الذي هو للطاهر بن حبيب الحلبي من أكثر المتون تداولا لمرحلة المبتدئين في علم أصول الفقه ، على ما في مختصره من الإخلال المؤثر في المعنى، مما نبه عليه العلامة الأصولي قاسم بن قطلوبغا في شرحه على مختضر الحلبي، وهو الشرح الموسوم بـ (خلاصة الأفكار) وهو فك للعبارة وتوضيح وتمثيل. كما جاء مختصر الحلبي على درجة من الاختصار، وصورة من الترتيب بين الجمل ترهقان الطالب وتستنفذان جزءا غير يسير من جهده أثناء التلقي مما هو أولى أن يصرف في مسائل الأصول التي احتواها المختصر.
ولما كان قد تقرر شرح المتن للطلاب الجدد، فقد بان أثر ما ذكرنا أثناء الشرح، وأثناء الإعداد له، مما استهلك جهدا لم أر مبررا له. فكان أن استعنت بالله تعالى في إعادة صياغة المختصر .
أما العمل في هذه الصياغة فهو كالتالي :
أ - فك الاختصار الشديد، من خلال إظهار المضمرات البعيدة والمحذوفات. مع الإبقاء على عبارة الأصل في حال وضوحها.
ب - إضافة بعض العبارت التي تذكر الدارس بموضعه في حال امتداد الأجزاء داخل مواطنها مما يقطع الذهن عن التسلسل.
ج - إعادة الصياغة لجمل كاملة قصيرة أو متوسطة.
د - استعمال العنصرة والترقيم والفصل عوضا عن الاسترسال والوصال بين المسائل والأجزاء.
وقد أسميت هذا العمل (إكرام الأطهار بتيسير مختصر المنار) انبثاقا من تقديمه هدية إلى طلاب العلم الصادقين الذين قد رزقت حبهم وصحبتهم.
وأسأل الله تعالى أن يكتب لهذا العمل القبول، وأن يجعله رصيدا ينفعنا يوم نلقاه، فالعلم هو خير ما تنفق فيه الأعمار لو صلحت النوايا، وهو شر ما يستهلك به الإنسان عمره لو انشغل به عن ربه، وابتغى به غير وجه العزيز العليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
*
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أصول الشرع هي : الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والقياس.
أما (الكتاب) فهو : (القرآن المنقول بالتواتر).
والقرآن يتركب من اللفظ والمعنى جميعا، لا أنه معنى فقط.
وينقسم القرآن إلى أربعة أقسام من حيث وجوهه :
القسم الأول : وجوه النظم.
وهذه الوجوه أربعة:
- الوجه الأول: الخاص. وهو (ما وضع لمعنى معلوم على سبيل الانفراد، سواء كان هذا المعنى جنسا أو كان نوعا أو كان عينا)
وحكم الخاص أنه : يتناول المخصوص قطعا. أي قطعا لإرادة غيره.
والخاص لا يحتمل البيان.
ثم اعلم أن الأمر والنهي هما من الخاص، ونتناولهما فيما يأتي :
( الأمر ) وفيه مسائل :
- الأمر تلزم فيه الصيغة، فلا يكون الفعل موجبا.
- ويثبت الوجوب بالأمر سواء كان الأمر قبل الحظر أو بعده.
- والأمر لا يقتضي التكرار، بل ولا يحتمله كذلك، سواء تعلق بشرط أو اختص بوصف، لذلك فالصحيح أنه يصدق على أقل جنسه ويحتمل كل الجنس.
- وحكم الأمر نوعان :
أداء : وهو إقامة الواجب.
قضاء : وهو تسليم مثل الواجب بنفس الأمر.
ويستعمل لفظ الأداء في القضاء والعكس على سبيل المجاز.
والدليل الذي يوجب الأداء يوجب القضاء، ولا يحتاج إلى دليل جديد عند الجمهور.
وأنواع الأداء ثلاثة :
كامل: وهو ما يؤدى كما شرع.
وقاصر: وهو الناقص عن صفته.
والثالث: أداء شبيه بالقضاء.
وأنواع القضاء - كذلك - ثلاثة :
بمثل معقول.
وبمثل غير معقول.
وقضاء بمعنى الأداء.
- واعلم أن الحسن لازم للمأمور به، إما لمعنى في عينه وإما لمعنى في غيره.
فحكم الأول أنه لا يسقط إلا بالأداء أو باعتراض ما يسقطه.
وحكم الثاني أنه يدور مع الغير الذي حسن لأجله.
ثم ما حسن لمعنى في نفسه فهو على نوعين :
الأول: ما كان لمعنى في وصفه.
الثاني: ما كان ملحقا به ولكنه مشابه للحسن لمعنى في غيره.
وكذلك ما حسن لمعنى في غيره فهو على نوعين :
الأول: ما لا يؤدى بالمأمور به, كالوضوء للصلاة.
الثاني: ما يؤدى به، كالجهاد لإعلاء كلمة الله.
- ثم اعلم أن الأمر من حيث ارتباطه بالوقت هو على نوعين :
النوع الأول: مطلق عن الوقت. وهذا لا يوجب الأداء على الفور في الصحيح.
النوع الثاني: مقيد بالوقت. وهذا يأتي على أربعة أنواع :
الأول : أن يكون الوقت ظرفا للمؤدى وشرطا للأداء وسببا للوجوب. وهو وقت الصلاة. ومن حكم هذا النوع اشتراط نية التعيين، فلا يسقط بضيق الوقت، وكذلك لا يتعين إلا بالأداء.
الثاني : أن يكون الوقت معيارا للمؤدى وسببا للوجوب، كشهر رمضان. ومن حكمه نفي غيره فيه. فيتأدى بمطلق النية دون تعيين. ويتأدى كذلك لو وقع خطأ في توصيف النية، إلا في حالة المسافر الذي ينوي واجبا آخر غير صيام رمضان، فلا يتأدى عند أبي حنيفة. أما لو نوى المسافر نفلا فعن أبي حنيفة فيه روايتان. أما المريض لو صام فإنه يقع صومه عن الفرض في الصحيح.
الثالث : أن يكون الوقت معيارا لا سببا، كقضاء رمضان. وهذا يشترط فيه التعيين، ولا يحتمل الفوات.
الرابع : أن يكون الوقت مشكلا، كالحج. ومن حكمه تعيين أدائه في أشهره.
- ونختم مسائل الأمر بمسألة : الكفار مخاطبون بفروع الإيمان بناء على ما أخذه الله عليهم من العهد الماضي، وذلك بإجماع الفقهاء. ثم الصحيح أنهم لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات.
( النهي ) :وهو ينقسم في قبح المنهي عنه كانقسام الأمر في حسن المأمور به :
فالقبح لازم للمأمور به إما لمعنى في عينه أو لمعنى في غيره.
ثم ما قبح لمعنى في نفسه فهو على نوعين:
الأول: ما قبح لمعنى في نفسه وضعا. ومنه النهي عن الأفعال التي تعرف بالحس، كالقتل والزنا.
الثاني: ما قبح لمعنى في نفسه شرعا. ومنه النهي عن الأفعال التي تعرف بالشرع، كصلاة المحدث.
وكذلك ما قبح لمعنى في غيره فهو على نوعين :
الأول: ما قبح لمعنى في نفسه وصفا، كصوم يوم النحر.
الثاني: ما قبح لمعنى في غيره مجاورة، كالبيع وقت نداء الجمعة.
- وتلك مسألة تجمع بين الأمر والنهي: اعلم أن العلماء قد اختلفوا، فقال بعضهم: الأمر بالشيء نهي عن ضده، والعكس صحيح. والمختار أن الامر بالشيء يقتضي كراهة ضده، وأن ضد النهي هو كسنة واجبة.
وبذا ينتهي كلامنا على الخاص. وهو الوجه الأول من وجوه النظم.
- الوجه الثاني من وجوه النظم : العام. وهو (ما تناول أفرادا متفقة الحدود على سبيل الشمول)
وحكم العام أنه يوجب الحكم فيما يتناوله قطعا، لذلك جاز أن ننسخ به الخاص.
والعام يثبت بالصيغة والمعنى مجتمعين، وبالمعنى وحده.
- الوجه الثالث من وجوه النظم : المشترك. وهو (ما تناول أفرادا مختلفة الحدود على سبيل البدل)
وحكم المشترك أن نتأمل فيه ليترجح لنا بعض وجوهه للعمل به. ولا عموم للمشترك.
- الوجه الرابع والأخير من وجوه النظم : المؤول. وهو (الذي ترجح لنا بغالب الرأي بعد التأمل في المشترك).
وحكم المؤول العمل به على احتمال الغلط.
القسم الثاني : في وجوه البيان بالنظم- الوجه الأول : الظاهر. وهو (ما ظهر المراد منه بمجرد الصيغة دون حاجة إلى تأمل)
وحكمه وجوب العمل بما ظهر منه.
- الوجه الثاني : النص. وهو (ما ازداد وضوحا على الظاهر بقرينة من المتكلم)
وحكمه وجوب العمل بما اتضح من المعنى على احتمال التأويل والنسخ.
- الوجه الثالث : المفسر. وهو (ما ازداد وضوحا على النص بوجه ينفي احتمال التأويل)
وحكمه وجوب العمل به على احتمال التأويل.
- الوجه الرابع : المحكم. وهو (ما أحكم المراد به عن احتمال النسخ والتأويل)
وحكمه وجوب العمل به من غير احتمال إطلاقا.
ثم هناك أربعة أوجه تقابل الأربعة السابقة :
- الوجه الأول : الخفي – ويقابل الظاهر -. وهو (ما خفي المراد منه بعارض يحتاج إلى الطلب)
وحكمه التأمل فيه ليتبين خفاؤه إن كان بالزيادة أو النقصان.
- الوجه الثاني : المشكل – ويقابل النص -. وهو (فوق الخفي في خفاء معناه واحتياجه إلى التأمل)
وحكمه اعتقاد أن المراد منه حق، إلى أن يتبين المراد من خلال التأمل.
- الوجه الثالث : المجمل – ويقابل المفسر -. وهو (ما أثبت المراد منه فكان مفتقرا إلى الاستفسار لا التأمل)
وحكمه التوقف فيه إلى أن يثبت المراد من خلال بيان صاحب الإجمال.
- الوجه الرابع : المتشابه – ويقابل المحكم -. وهو (ما لا يرجى بيان مراده بسبب شدة خفائه)
وحكمه التوقف فيه أبدا مع اعتقاد أن المراد منه حق.
القسم الثالث : في وجوه استعمال النظم
- الوجه الأول : الحقيقية. وهي (اسم لما أريد به ما وضع له)
- الوجه الثاني : المجاز. وهو (اسم لما أريد به غير ما وضع له)
ومن حكمهما استحالة اجتماعهما مرادين بلفظ واحد.
ومن أمكن العمل بالحقيقة سقط المجاز.
والحقيقة تترك بدلالة العادة، وبدلالة في محل الكلام، وبدلالة حال يرجع إلى المتكلم، وبدلالة سياق النظم،وبدلالة اللفظ في نفسه.
- الوجه الثالث : الصريح. وهو (ما ظهر مراده بينا)
وحكمه أنه يثبت به ما يوجبه من غير احتياج إلى قرينة.
- الوجه الرابع : الكناية. وهي (ما لا يظهر المراد به إلا بقرينة)
وحكمها أن لا يثبت بها المراد إلا بنية أو ما يقوم مقامها كدلالة الحال.
والأصل في الكلام هو الصريح، وفي الكناية قصور لاشتباه المراد، فيحتاج في الإفادة إلى القرينة.
القسم الرابع : في وجوه وقوف المخاطب على أحكام النظم
- الوجه الأول : عبارة النص. وهي (الدلالة بظاهر ما جاء الكلام لأجله)
ويثبت بها الحكم.
- الوجه الثاني : إشارة النص. وهي (الدلالة بما لم يأت الكلام لأجله، وكان ثابتا بالنظم لا الدلالة، وباللغة لا الاقتضاء)
ويثبت بها الحكم، وتقدم عليها العبارة عند التعارض. وللإشارة عموم كالعبارة.
- الوجه الثالث : دلالة النص. وهي (الدلالة بما يفيد معناه بمجرد اللغة من غير حاجة إلى استنباط)
ويثبت به الحكم، وتقدم عليه الإشارة عند التعارض.
- الوجه الرابع : اقتضاء النص. وهو (الدلالة بما لا يعمل النص إلا بشرط تقدمه عليه)
ويثبت به الحكم، وتقدم عليه الدلالة عند التعارض.
وتلك مسائل ننهي بها الكلام على الأقسام الأربعة للأوجه :
- التنصيص لا يدل على التخصيص.
- المطلق لا يحمل على المقيد.
- الاقتران في النظم لا يوجب الاقتران في الحكم.
(فصل : في تقسيمات الأحكام المشروعة)المشروعات من الأحكام نوعان : عزيمة، ورخصة.
أما [العزيمة] فهي الأحكام الأصول التي يتكون منها الشرع. وهي أربعة أنواع:
- (فرض) وهو : ما يثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه.
وحكمه اللزوم تصديقا بالقلب فيكفر جاحده، وعملا بالبدن فيفسق تاركه بغير عذر.
- (واجب) وهو : ما يثبت بدليل ظني فيه شبهة.
وحكمه اللزوم عملا بمنزلة الفرض.
- (سنة) وهي : الطريقة المسلوكة في الدين.
وحكمها المطالبة بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب.
- (نفل) – ومثله التطوع – وهو : المقدار المشروع الزائد على العبادات المفروضة والواجبة والمسنونة.
وحكمه إثابة فاعله، ولا معاقبة أو معاتبة على تاركه.
- (مباح) وهو : ما لا يثبت طلب فعله أو تركه.
وحكمه لا يثباب فاعله ولا يعاقب تاركه.
هذه أنواع الأحكام في العزيمة.
أما [الرخصة] فهي ما تغير من عسر إلى يسر بعذر.
(فصل : في أسباب الأحكام)
للأحكام المشروعة من خلال الأمر والنهي بأقسامهما أسباب.
- فسبب وجوب الإيمان هو : حدوث العالم الذي هو علم على وجود الصانع.
- وسبب الصلاة : الوقت.
- وسبب الزكاة : ملك المال.
- وسبب الصوم : دخول أيام رمضان.
- وسبب زكاة الفطر : رأس يمونه ويلي عليه.
- وسبب الحج : بيت الله.
- وسبب العشر والخراج : الأرض النامية تحقيقا أو تقديرا.
- وسبب الطهارة : الصلاة.
- وسبب المعاملات : توقف صلاح العالم عليها.
- وسبب العقوبات : ما علقت عليه من الجرائم.
- وسبب الكفارات : ارتكاب أمر يدور بين الحظر والإباحة.
وبذا ننتهي من الكلام على الكتاب. وما ذكرناه سابقا حول الكتاب هو يصدق عليه وعلى السنة.
[ باب الكلام في السنة ]السنة هي المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا.
ونبحثها هنا من خلال أربعة اعتبارات : الاتصال والانقطاع ومحل الخبر ونفس الخبر.
فمن حيث (الاتصال) تأتي السنة على ثلاثة أنواع :
الأول : المتواتر، وبه يكون الاتصال الكامل، وهو (ما رواه في كل طبقاته جمع لا يتوهم تواطؤهم على الكذب)
الثاني : المشهور، وفي اتصاله شبهة صورة، وهو (ما كان آحادا في القرن الأول ثم تواتر في الثاني والثالث)
الثالث : الآحاد، وفي اتصاله شبهة صورة ومعنى، وهو (ما رواه الواحد فصاعدا إلى ما دون المشهور والمتواتر)
ومن حيث (الانقطاع) تأتي الأخبار المنقطعة على قسمين :
القسم الأول (الظاهر) وهو المرسل، وهو منقطع الإسناد، ويأتي على أربعة أنواع :
- الأول : مرسل الصحابي. وهو مقبول بالإجماع.
- الثاني : مرسل القرن الثاني والثالث. وهو حجة عند الحنفية ومالك وأحمد، واشترط الشافعي شروطا.
- الثالث : مرسل العدل في كل عصر. وهو حجة عند الكرخي.
- الرابع : مرسل من وجه ومسند من وجه، وهو مقبول عند الأكثر.
القسم الثاني (الباطن) ويأتي على نوعين :- الأول : منقطع لنقص الناقل في شروط الرواية.
- الثاني : منقطع بالمعارضة من كتاب أو سنة، ويلحق به ما أعرض عنه الأئمة في الصدر الأول.
ومن حيث (محل الخبر) أي ما جعل الخبر فيه حجة، فيأتي على أربعة أنواع :
- الأول : (حق الله الخالص) وخبر الآحاد حجة فيه، وقد خالف الكرخي في العقوبات.
- الثاني : (حق العبد مما فيه إلزام محض) وتشترط فيه شرائط الأخبار، مع لفظ الشهادة، والعدد فيما يطلع عليه الرجال.
- الثالث (حق العبد مما لا إلزام فيه) يثبت بإخبار الواحد بشرط التمييز دون العدالة والإسلام والبلوغ.
- الرابع : (حق العبد وفيه إلزام من وجه دون وجه) اشترط فيه أبو حنيفة أحد شطري الشهادة؛ العدد أو العدالة، وقال الصاحبان هو التمييز فقط كما في النوع السابق.
ومن حيث (نفس الخبر) فيأتي على أربعة أنواع :
- الأول : (متحتم الصدق) وحكمه اعتقاده وامتثاله.
- الثاني : (متحتم الكذب) وحكمه اعتقاد بطلانه.
- الثالث : (يحتملهما) وحكمه التوقف فيه.
- الرابع : (مترجح الصدق) وحكمه العمل به دون اعتقاد حقيته.
(فصل : في التعارض بين الحجتين)التعارض بين الآيتين حكمه المصير إلى السنة.
وبين السنتين المصير إلى أقول الصحابة أو القياس.
وبين القياسين فإن أمكن ترجيح أحدهما فبها، وإلا فيعمل المجتهد بأيهما شاء بشهادة قلبه.
(مسألتان في الزيادة في الأخبار)
إذا كان في أحد الخبرين زيادة والراوي واحد، يؤخذ بالنص المثبت للزيادة.
وإذا كان الراوي آخر فهما خبران، فيعمل بهما؛ عملا بأن المطلق لا يحمل على المقيد.
(فصل : في احتمال الحجج للبيان)هذه الحجج السابقة تحتمل البيان، ويأتي على ستة أنواع :
- الأول : (بين التقرير) وهو تأكيد الكلام بما يقطع احتمال المجاز أو الخصوص.
- الثاني : (بيان التفسير) وهو بيان المجمل والمشترك.
- الثالث : (بيان التغيير) وهو التعليق بالشرط والاستثناء. ويصح موصولا وموقوفا.
- الرابع : (بيان الضرورة) وهو نوع يقع بما لم يوضع لذات البيان.
- الخامس : (بيان التبديل) وهو النسخ. ويكون في حق الشارع بيانا لمدة الحكم المطلق المعلوم عند الله تعالى.
وفي التبديل الذي هو النسخ مسائل :
- القياس والإجماع لا يصلحان ناسخا عند الجمهور.
- يجوز نسخ كل من الكتاب والسنة بالآخر.
- يجوز نسخ الحكم والتلاوة جميعا.
- إذا نسخ وصف الحكم فهو كالزيادة عل النص.
(فصل : في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم)الأفعال تتصل بالسنن، وتأتي الأفعال على أربعة أوجه :مباح ومستحب وواجب وفرض.
زالصحيح أن كل فعل منها نقتدي به على الذي علمنا أنه قد وقع عليه، وما لانعلمه فمباح.
(مسألة: شرع من قبلنا)
الصحيح أن شرع من قبلنا يلزمنا إذا قصه الله ورسوله من غير إنكار.
(مسألة: تقليد الصحابي والتابعي)
تقليد الصحابي واجب، ونترك به القياس.
يجوز تقليد التابعي الذي ظهرت فتواه زمن الصحابة على الأصح.
[ باب الإجمــاع ]
هو : اتفاق مجتهدي هذه الأمة في عصر على أمر ديني اجتهادي بحيث يحصل به ما لم يكن قبل.
وقال العلماء : هو حجة موجبة للعمل.
وأعلى مراتبه إجماع الصحابة نصا. ويكفر جاحده لأنه كالآية والخبر المتواتر.
ثم إجماع الصحابة بنص البعض وسكوت الباقين. ويضلل جاحده ولا يكفر.
ثم إجماع من بعدهم على أمر لم يسبق فيه خلاف. ويضلل جاحده لأنه كالخبر المشهور.
ثم إجماع من بعدهم على أمر سبق فيه الخلاف. ولا يضلل جاحده لأنه كخبر الآحاد.
مسألة : إذا اختلفت الأمة على أقوال، كان ذلك إجماعا على أن ماعدا هذه الأقوال باطل. قيل : إن هذا في اختلاف الصحابة خاصة.
[ باب القياس ]وهو : تقدير الفرع بلأصل في الحكم والعة.
وأركانه : الأصل والفرع والحكم والعلة.
والعلة هي الوصف الذي جعل علما على حكم النص من بين الأوصاف التي اشتمل عليها النص، وجعل الفرع نظيرا للأصل في الحكم إذا تحقق فيه.
وشرائطه :
- ألا يكون المقيس عليه مخصوصا بحكمه بنص آخر.
- ألا يكون الأصل معدولا به عن القياس.
- أن يكون الحكم شرعيا، ثابتا بالنص، متعديا إلى الفرع، وأن يتعدى بعينه من غير حدوث تغيير لو تعدى.
- أن يكون في فرع لا نص فيه.
- أن يبقى حكم النص بعد التعليل على ما كان.
-
(فصل: في شروط الاجتهادة)للاجتهاد شروط :
- علم الكتاب بمعانيه ووجوهه.
- علم السنة بطرقها.
- معرفة وجوه القياس مع شرائطه.
وحكم الاجتهاد : الإصابة بغالب الرأي.
(فصل : في ما يثبت بالحجج)هذه الحجج التي تناولناها يثبت بها شيئان : الأحكام، وما تتعلق به الأحكام.
أما الأحكام فهي على أربعة أنواع :
الأول : حقوق الله تعالى خالصة.
الثاني : حقوق العباد خالصة.
الثالث : ما اجتمعا فيه وحق الله غالب.
الرابع : ما اجتمعا فيه وحق العبد غالب.
وهذه الحقوق جميعا تنقسم إلى أصل وخلف؛ كالإيمان أصله التصديق والإقرار، ثم صار الإقرار أصلا مستقلا خلفا عن التصديق في أحكام الدنيا.
وما تتعلق به الأحكام فعلى أربعة أنواع كذلك :
الأول : سبب. وهو إما حقيقي، وهو (ما يكون طريقا إلى الحكم من غير أن يضاف إليه وجوب ولا وجود ولا تعقل فيه معاني العلل) وإما مجازي، وهو (السبب الذي له حكم العلة) وهو "علة العلة" كاليمين بالله تعالى. وهذا النوع يعد من العلل.
الثاني : العلة. وهي (ما يضاف إليه وجوب الحكم ابتداء).
الثالث : الشرط. وهو (ما تعلق به الوجود دون الوجوب).
الرابع : العلامة. وهي (ما يعرف به وجود الحكم من غير أن يتعلق به وجوب ولا وجود).
(فصل : في الأهلية)المعتبر في الأهلية هو العقل.
ويعترضها نوعان من المعترضات : سماوي من قبل الله عزل وجل. ومكتسب من جهة العبد.
أما السماوي؛ فكالصغر والجنون والنسيان والنوم والرق والعته والحيض والنفاس والمرض والموت.
وأما المكتسب؛ فكالجهل والسفه والسكر والهزل والسفر والخطا والإكراه.
ثم المحرمات التي يقع الإكراه عليها أربعة أنواع :
الأول : حرمة لا تحتمل السقوط ولا الرخصة. كالزنا بالمرأة وقتل المسلم.
الثاني : حرمة تحتمل السقوط والرخصة. كشرب الخمر واكل الميتة ولحم الخنزير.
الثالث : حرمة لا تحتمل السقوط وتحتمل الرخصة. وهي حقوق الله تعالى، ومنها الإكراه على إجراء كلمة الكفر مع اطمئنان القلب.
الرابع : حرمة تحتمل السقوط في الجملة بإسقاط من له الحق، وتحتمل الرخصة. كتناول مال الغير.
(فصل : في مسائل متفرقة)- الإلهام ليس بحجة، وقال بعض الصوفية : إنه في حق الأحكام حجة.
- الفراسة هي ما يقع في القلب بغير نظر في حجة.
- والحكم على الحقيقة ما يثبت جبرا، وإثباتنا له مجاز.
- الدليل هو ما نتوصل بصحة النظر فيه إلى العلم.
- والحجّة من حجّ إذا غلب، والبينة مثلها، وكذا البرهان، لكن البرهان يستعمل عند قوم في القطعيات.
- والعرف ما استقر في النفس من جهة شهادات العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول.
- والعادة هي ما استمر الناس عليه وعاودوه.
تم بحمد الله تعالى ومنّته وفضله