عقود الجمان
للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي
ضبط أبي مالك العوضي
قَالَ الْفَقِيرُ عَابِدُ الرَّحْمَنِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْبَيَانِ
وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ
عَلَى النَّبِيِّ أَفْصَحِ الْأَنَامِ
وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ مِثْلُ الْجُمَانْ
ضَمَّنْتُها عِلْمَ الْمَعَانِي وَالْبَيَانْ
لَخَّصْتُ فِيهَا مَا حَوَى التَّلْخِيصُ مَعْ
ضَمِّ زِيَادَاتٍ كَأَمْثَالِ اللُّمَعْ
مَا بَيْنَ إِصْلاَحٍ لِمَا يُنْتَقَدُ
وَذِكْرِ أَشْيَاءَ لَهَا يُعْتَمَدُ
وَضَمِّ مَا فَرَّقَهُ لِلْمُشْبِهِ
وَاللَّهَ رَبِّيْ أَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ
وَأَنْ يُزَكِّيْ عَمَلِيْ وَيُعْرِضَا
عَنْ سُوئِهِ وَأَنْ يُنِيلَنَا الرِّضَا
مقدمة
يُوصَفُ بِالْفَصَاحَةِ الْمُرَكَّبُ
وَمُفْرَدٌ وَمُنْشِئٌ مُرَتِّبُ
وَغَيْرُ ثَانٍ صِفْهُ بِالْبَلاَغَهْ
وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْبَرَاعَهْ
فَصَاحَةُ الْمُفْرَدِ أَنْ لاَ تَنْفِرَا
حُرُوفُهُ كَ"هُعْخُعٍ" وَ"اسْتَشْزَرَا"
وَعَدَمُ الْخُلْفِ لِقَانُونٍ جَلِي
كَ"الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَجْلَلِ"
وَفَقْدُهُ غَرَابَةً قَدْ أُرْتِجَا
كَ"فَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا"
قِيْلَ وَفَقْدُ كُرْهِهِ فِي السَّمْعِ
نَحْوُ جِرِشَّاهُ وَذَا ذُو مَنْعِ
وَفِي الْكَلَامِ فَقْدُهُ فِي الظَّاهِرِ
لِضَعْفِ تَأْلِيفٍ وَ لِلتَّنَافُرِ
فِي الْكَلِمَاتِ وَكَذَا التَّعْقِيدِ مَعْ
فَصَاحَةٍ فِي الْكَلِمَاتِ تُتَّبَعْ
فَالضَّعفُ نَحْوُ "قَدْ جَفَوْنِيْ وَلَمِ
أَجْفُ الْأَخِلاَّءَ وَمَا كُنْتُ عَمِي"
وَذُو تَنَافُرٍ - أَتَاكَ النَّصْرُ-
كَ"لَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ"
كَذَاكَ "أَمْدَحْهُ" الَّذِي تَكَرَّرَا
وَالثَّالِثُ الْخَفَاءُ فِي قَصْدٍ عَرَا
لِخَلَلٍ فِي النَّظْمِ أَوْ فِي الاِنْتِقَالْ
إِلَى الَّذِي يَقْصِدُهُ ذَوُو الْمَقَالْ
قِيلَ: (وَأَنْ لاَ يَكْثُرَ التَّكَرُّرُ
وَلاَ الْإِضَافَاتُ) وَفِيهِ نَظَرُ
وَحَدُّهَا فِي مُتَكَلِّمٍ شُهِرْ :
مَلَكَةٌ عَلَى الْفَصِيحِ يَقْتَدِرْ
بَلاَغَةُ الْكَلاَمِ أَنْ يُطَابِقَا
لِمُقْتَضَى الْحَالِ وَقَدْ تَوَافَقَا
فَصَاحَةً وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفُ
حَسْبَ مَقَامَاتِ الْكَلاَمِ يُؤْلَفُ
فَمُقْتَضَى تَنْكِيرِهِ وَذِكْرِهِ
وَالْفَصْلِ الاِيجَازِ خِلاَفُ غَيْرِهِ
كَذَا خِطَابٌ لِلذَّكِيِّ وَالْغَبِي
وَكِلْمَةٌ لَهَا مَقَامٌ أَجْنَبِي
مَعْ كِلْْمَةٍ تَصْحَبُهَا فَالْفِعْلُ ( ذَا
إِنْ) لَيْسَ كَالْفِعْلِ الَّذِي تَلاَ (إِذَا)
وَالاِرْتِفَاعُ فِي الْكَلاَمِ وَجَبَا
بِأَنْ يُطَابِقَ اعْتِبَارًا نَاسَبَا
وَفَقْدُهَا انْحِطَاطُهُ فَالْمُقْتَضَى
مُنَاسِبٌ مِنِ اعْتِبَارٍ مُرْتَضَى
وَيُوصَفُ اللَّفْظُ بِتِلْكَ بِاعْتِبَارْ
إِفَادَةِ الْمَعْنَى بِتَرْكِيبٍ يُصَارْ
وَقَدْ يُسَمَّى ذَاكَ بِالْفَصَاحَهْ
وَلِبَلاَغَةِ الْكَلاَمِ سَاحَهْ
بِطَرَفَيْنِ حَدُّ الاِعْجَازِ عَلُ
وَمَا لَهُ مُقَارِبٌ وَالأَسْفَلُ
هُوَ الَّذِي إِذَا لِدُونِهِ نَزَلْ
فَهْوَ كَصَوْتِ الْحَيَوَانِ مُسْتَفِلْ
بَيْنَهُمَا مَرَاتِبٌ وَتَتْبَعُ
بَلاَغَةً مُحَسِّنَاتٌ تُبْدِعُ
وَحَدُّهَا فِي مُتَكَلِّمٍ كَمَا
مَضَى فَمَنْ إِلَى الْبَلاَغَةِ انْتَمَى
فَهْوَ فَصِيحٌ مِنْ كَلِيمٍ أَوْ كَلاَمْ
وَعَكْسُ ذَا لَيْسَ يَنَالُهُ الْتِزَامْ
قُلْتُ وَوَصْفٌ مِنْ بَدِيعٍ حَرَّرَهْ
شَيْخِيْ وَشَيْخُهُ الْإِمَامُ حَيْدَرَهْ
وَمَرْجِعُ الْبَلاَغَةِ التَّحَرُّزُ
عَنِ الْخَطَا فِي ذِكْرِ مَعْنًى يَبْرُزُ
وَالْمَيْزُ لِلْفَصِيحِ مِنْ سِوَاهُ ذَا
يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ وَالصَّرْفِ كَذَا
فِي النَّحْوِ وَالَّذِي سِوَى التَّعَقُّدِ
اَلْمَعْنَوِيْ يُدْرَكُ بِالْحِسِّ قَدِ
وَمَا بِهِ عَنِ الْخَطَا فِي التَّأْدِيَهْ
مُحْتَرَزٌ عِلْمَ الْمَعَانِي سَمِّيَهْ
وَمَا عَنِ التَّعْقِيدِ فَالْبَيَانُ
ثُمَّ الْبَدِيعُ مَا بِهِ اسْتِحْسَانُ
الفَنُّ الأَوَّلُ: عِلْمُ الْمَعَانِي
وَحَدُّهُ (عِلْمٌ بِهِ قَدْ يُعْرَفُ
أَحْوَالُ لَفْظٍ عَرَبِيٍّ يُؤْلَفُ
مِمَّا بِهَا تَطَابُقٌ لِمُقْتَضَى
حَالٍ) وَحَدِّي سَالِمٌ وَمُرْتَضَى
يُحْصَرُ فِي أَحْوَالِ الاِسْنَادِ وَفِي
أَحْوَالِ مُسْنَدٍ إِلَيْهِ فَاعْرِفِ
وَمُسْنَدٍ تَعَلُّقَاتِ الْفِعْلِ
وَالْقَصْرِ وَالْإِنْشَاءِ ثُمَّ الْوَصْلِ
وَالْفَصْلِ وَالْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ
وَنَحْوِهِ تَأْتِيكَ فِي أَبْوَابِ
مَسْأَلَة
مُحْتَِملٌ لِلصِّدْقِ وَالْكِذْبِ الْخَبَرْ
وَغَيْرُهُ الإِنْشَا وَلاَ ثَالِثَ قَرْ
تَطَابُقُ الوَاقِعِ صِدْقُ الْخَبَرِ
وَكِذْبُهُ عَدَمُهُ فِي الأَشْهَرِ
وَقِيلَ بَلْ تَطَابُقُ اعْتِقَادِهِ
وَلَوْ خَطًا وَالْكِذْبُ فِي افْتِقَادِهِ
فَفَاقِدُ اعْتِقَادِهِ لَدَيْهِ
وَاسِطَةٌ وَقِيلَ لاَ عَلَيْهِ
اَلْجَاحِظُ: (الصِّدْقُ الَّذِي يُطَاِبقُ
مُعْتَقَدًا وَوَاقِعًا يُوَافِقُ
وَفَاقِدٌ مَعَ اعْتِقَادِهِ الْكَذِبْ
وَغَيْرُ ذَا لَيْسَ بِصِدْقٍ أِوْ كَذِبْ)
وَوَافَقَ الرَّاغِبُ فِي القِسْمَيْنِ
وَوَصَفَ الثَّالِثَ بِالْوَصْفَيْنِ
الباب الأول : أَحْوَالُ الْإِسْنَادِ الْخَبَرِيّ
اَلْقَصْدُ بِالْإِخْبَارِ أَنْ يُفَادَا
مُخَاطَبٌ حُكْمًا لَهُ أَفَادَا
أَوْ كَوْنَهُ عَلِمَهُ وَالأَوَّلاَ
فَائِدَةَ الإِخْبَارِ سَمِّ وَاجْعَلاَ
لاَزِمَهَا الثَّانِي وَقَدْ يُنَزَّلُ
عَالِمُ هَذَيْنِ كَمَنْ قَدْ يَجْهَلُ
لِعَدَمِ الْجَرْيِ عَلَى مُوْجَبِهِ
وَمَا أَتَى لِغَيْرِ ذَا أَوِّلْ بِهِ
فَلْيُقْتَصَرْ عَلَى الَّذِي يُحْتَاجُ لَهْ
مِنَ الْكَلاَمِ وَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ
فَإِنْ تُخَاطِبْ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنِ
حُكْمٍ وَمِنْ تَرَدُّدٍ فَلْتَغْتَنِ
عَنِ الْمُؤَكِّدَاتِ أَوْمُرَدِّدَا
وَطَالِبًا فَمُسْتَجِيْدًا أَكِّدَا
أَوْ مُنْكِرًا فَأَكِّدَنْ وُجُوبَا
بِحَسَبِ الإِنْكَارِ فَالضُّرُوبَا
أَوَّلَهَا سَمِّ ابْتِدَائِيًّا وَمَا
تَلاَهُ فَهْوَ الطَّلَبِيُّ وَانْتَمَى
تَالِيهِ لِلْإِنْكَارِ ثُمَّ مُقْتَضَى
ظَاهِرِهِ إِيرَادُهَا كَمَا مَضَى
وَرُبَّمَا خُولِفَ ذَا فَلْيُورَدِ
كَلاَمُ ذِي الْخُلُوِّ كَالْمُرَدِّدِ
إِذَا لَهُ قُدِّمَ مَا يُلَوِّحُ
بِخَبَرٍ فَهْوَ لِفَهْمٍ يَجْنَحُ
كَمِثْلِ مَا يَجْنَحُ مَنْ تَرَدَّدَا
لِطَلَبٍ فَالْحُسْنُ أَنْ يُؤَكَّدَا
وَيُجْعَلُ الْمُقِرُّ مِثْلَ الْمُنْكِرِ
إِنْ سِمَةُ النُّكْرِ عَلَيْهِ تَظْهَرِ
كَقَوْلِنَا لِمُسْلِمٍ وَقَدْ فَسَقْ:
"يَا أَيُّهَا الْمِسْكِينُ إِنَّ الْمَوْتَ حَقْ"
وَيُجْعَلُ الْمُنْكِرُ إِنْ كَانَ مَعَهْ
شَوَاهِدٌ لَوْ يَتَأَمَّلْ مُرْدِعَةْ
كَغَيْرِهِ كَقَوْلِكَ: "الإِسْلاَمُ حَقْ"
لِمُنْكِرٍ وَالنَّفْيُ فِيهِ مَا سَبَقْ
ثُمَّ مِنَ الْإِسْنَادِ مَا يُسَمَّى
حَقِيقَةً عَقْلِيَّةً كَأَنْ مَا
يُسْنَدُ فِعْلٌ لِلَّذِي لَهُ لَدَى
مُخَاطِبٍ وَشِبْهُهُ فِيمَا بَدَا
كَقَوْلِنَا: "أَنْبَتَ رَبُّنَا الْبَقَلْ"
وَ"أَنْبَتَ الرَّبِيْعُ" قَوْلُ مَنْ جَهِلْ
وَ"جَاءَ زَيْدٌ" مَعَ فَقْدِ الْفِعْلِ
عِلمًا وَما يدْعَى الْمَجازَ الْعَقْلِي
إِسْنَادُهُ إِلَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ
بَلْ لِمُلاَبِسٍ وَقَدْ أَوَّلَهُ
وَأَنَّهُ يُلاَبِسُ الفَاعِلَ مَعْ
مَفْعُولِهِ وَمَصْدَرٍ وَمَا اجْتَمَعْ
مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسَّبَبْ
فَهْوَ إِلَى المَفعُولِ غَيْرِ مَا انْتَصَبْ
وَفَاعِلٍ أَصْلٌ وَغَيْرُ ذَا مَجَازْ
كَ"عِيشةٍ رَاضِيَةٍ" إِذَا تُجَازْ
وَ"السَّيْلُ مُفْعَمٌ" وَ"لَيْلٌ سَارِ"
وَ"جَدَّ جِدُّهُمْ" وَ"نَهْرٌ جَارِ"
وَ"قَدْ بَنَيْتُ مَسْجِدًا" وَقَائِلْ
أَوَّلَهُ يَخْرُجُ قَوْلُ الْجَاهِلْ
مِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى ذَا الْحُكْمِ
"أَشَابَ كَرُّ الدَّهْرِ" دُونَ عِلْمِ
وَقُلْ مَجَازٌ قَوْلُ فَضْل الْأَلْمَعِي "
: مَيَّزَ عَنْهُ قُنْزُعًا عَن قُنْزُعِ
جَذْبُ اللَّيَالي أَبْطِئِي أَوْ أَسْرِعِي"
لِقَوْلِهِ عَقِيبَ هَذَا الْمَطَْلعِ:
"أَفنَاهُ قِيلُ اللهِ لِلشَّمْسِ اطْلُعِي
حَتَّى إِذَا وَارَاكِ أُفْقٌ فَارْجِعِي"
أَقْسَامُهُ حَقِيقَتَانِ الطَّرَفَانْ
أَوْ فَمَجَازَانِ كَذَا مُخْتَلِفَانْ
كَ"أَنْبَتَ الْبَقْلَ شَبَابُ الْعَصْرِ"
وَ"الْأَرْضَ أَحْيَاهَا رَبِيعُ الدَّهْرِ"
وَشَاعَ فِي الإِنْشَاءِ وَالْقُرْآنِ
بِقَوْلِ: يَا هَامَانُ" مَثِّلْ ذَانِ
وَشَرْطُهُ قَرِينَةٌ تُقَالُ
أَوْمَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا يُحَالُ
قِيَامُهُ فِي عَادَةٍ بِالْمُسْنَدِ
أَوْ عَقْلٍ اوْ يَصْدُرُ مِنْ مُوَحِّدِ
كَ"هَزَمَ الْأَمِيرُ جُنْدَهُ الْغَوِي"
وَ"جَاءَ بِيْ إِلَيْكَ حُبُّكَ القَوِي"
وَفَهْمُ أَصْلِهِ يَكُونُ وَاضِحَا
كَ"رَبِحَتْ تِجَارَةٌ" أَيْ رَبِحَا
وَذَا خَفًا كَ"سَرَّنِيْ مَنْظَرُكَا"
أَيْ سَرَّنِيْ اللهُ لَدَى رُؤْيَتِكَا
وَيُوسُفٌ أَنْكَرَ هَذَا جَاعِلَهْ
كِنَايَةً بِأَنْ أَرَادَ فَاعِلَهْ
حَقِيقَةً وَنِسْبَةُ الْإِنْبَاتِ لَهْ
قَرِينَةٌ وَقَدْ أَبَاهُ النَّقَلَهْ
البَابُ الثَّانِي: أَحْوَالُ الْمُسْنَدِ إِلَيْه
فَلِاجْتِنَابِ عَبَثٍ قُلْ حَذْفُهُ
أَوْ لاِخْتِبَارِ سَامِعٍ هَلْ يَنْبُهُ
أَوْ قَدْرِ فَهْمِهِ وَجَنْحٍ لِدَلِيلْ
أَقْوَى هُوَ الْعَقْلُ لهُ "قُلْتُ عَلِيلْ"
أَوْ صَوْنِهِ عَنْ ذِكْرِهِ أَوْ صَوْنِكَا
أَوْ لِتَأَتِّي الْجَحْدِ إِنْ يُجْنَحْ لَكَا
أَوْ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوِ ادِّعَا
أَوِ الْمَقَامِ ضَيِّقًا أَوْ سُمِعَا
وَذِكْرُهُ لِلْأَصْلِ أَوْ يُحْتَاطُ إِذْ
تَعْوِيلُهُ عَلَى الْقَرِينَةِ انْتُبِذْ
أَوْ سَامِعٍ لَيْسَ بِذِي تَذْكِيرِ
أَوْ كَثْرَةِ الْإِيضَاحِ وَالتَّقْرِيرِ
أَوْ قَصْدِهِ تَحْقِيرَهُ أَوْ رِفْعَتَهْ
أَوْ بَرَكَاتِ شَأْنِهِ أَوْ لَذَّتَهْ
أَوْ بَسْطَهُ الْكَلاَمَ حَيْثُ يُطْلَبُ
طُولُ الْمَقَامِ كَالَّذِي يُسْتَعْذَبُ
وَكَوْنُهُ مَعْرِفَةً فَمُضْمَرُ
إِذِ الْمَقَامُ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرُ
وَالْأَصْلُ فِي الْخِطَابِ أَنْ يُعَيَّنَا
مُخَاطَبٌ وَفَقْدُ ذَاكَ يُعْتَنَى
كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: "وَلَوْ تَرَى"
لِكَيْ يَعُمَّ كُلَّ شَخْصٍ قَدْ يَرَى
وَعَلَمٌ لِأَجْلِ أَنْ يَحْضُرَ فِي
ذِهْنٍ بِعَيْنِهِ وَبِاسْمِهِ الْوَفِي
فِي الاِبْتِدَا كَ"قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ"
أَوْ لِكِنَايَةٍ وَرِفْعَةٍ وَضِدْ
أَوْ لِتَبَرُّكٍ وَلَذَّةٍ، وَمَا
يُوصَلُ لِلتَّقْرِيرِ أَوْ أَنْ فُخِّمَا
أَوْ فَقْدِ عِلْمٍ سَامِعٍ غَيْرَ الصِّلَهْ
كَ"إنَّ مَا أَهْدَى إِلَيْكَ يَعْمَلَهْ"
أَوْ هُجْنَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِسْمِ كَذَا
تَنْبِيهُهُ عَلَى الْخَطَا وَنَحْوِ ذَا
أَوْ لِإِشَارَةٍ إِلَى وَجْهِ الْبِنَا
لِخَبَرٍ وَقَدْ يَكُونُ ذَا هُنَا
ذَرِيعَةً لِرَفْعِ شَأْنِ الْمُسْنَدِ
أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِسِوَاهُ وَزِدِ
ذَرِيعَةً لِأَجْلِ تَحْقِيقِ الْخَبَرْ
وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: (فِي هَذَا نَظَرْ)
وَاسْمُ إِشَارَةٍ لِكَيْ يُمَيَّزَا
أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ كَ"هَذَا مَنْ غَزَا"
كَذَا لِتَعْرِيضٍ بِأَنَّ السَّامِعْ
مُسْتَبْلِدٌ كَالْبَيْتِ ذِي الْمَجَامِعْ
أَوْ لِبَيَانِ حَالِهِ مِنْ قُرْبِ
أَوْ بُعْدٍ اوْ تَحْقِيرِهِ بِالْقُرْبِ
أَوْ رَفْعِهِ بِالْبُعْدِ أَوْ تَحَقُّرِ
أَوْ كَوْنِهِ بِالْوَصْفِ بَعْدَهُ حَرِيْ
أَوْ لَمْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ يُعْرَفُ
قَدْ زَادَهُ عَلَى الْمَوَاضِي يُوسُفُ
ثُمَّ بِ(أَلْ) إِشَارَةً لِمَا عُهِدْ
أَوْ لِحَقِيقَةٍ وَرُبَّمَا تَرِدْ
لِوَاحِدٍ لِعَهْدِهِ فِي الذِّهِنِ
نَحْوُ "ادْخُلِ السّوقَ"وَلاَ عَهْدَ عُي
كَالنُّكْرِ مَعْنًى وَلِأَفْرَادٍ تَعُمْ
حَقِيقَةً كَعَالِمِ الْغَيْبِ قَدُمْ
وَمِنْهُ عُرْفِيْ وَعُمُومُ الْمُفْرَدِ
أَشْمَلُ إِذْ صَحَّ وُجُودُ مُفْرَدِ
وَرَجُلَيْنِ مَعَ قَوْلٍ" لاَ رِجَالْ
فِي الدَّارِ" دُونَ مَا إِذَا فَرْدٌ يُقَالْ
وَلاَ تَنَافِيْ بَيْنَ الاِسْتِغْرَاقِ
وَبَيْنَ الاِفْرَادِ بِالاِتِّفَاقِ
لِأَنَّهُ يَدْخُلُ مَعْ قَطْعِ النَّظَرْ
عَنْ وَحْدَةٍ، وَبِالْإِضَافَةِ اسْتَقَرْ
لِلاِخْتصَارِ أَوْ لِتَعْظِيمِ الْمُضَافْ
إِلَيْهِ أَوْ مُضَافِ هَذَا أَوْ خِلاَفْ
هَذَيْنِ أَوْ إِهَانَةٍ كَ"عَبْدِي
عَبْدُ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدِي"
قُلْتُ: وَالاِسْتِغْرَاقِ لَكِنْ سَكَتُوا
عَنْهُ، وَمِنْ (أَلْ) ذَا بِهَذَا أَثْبَتُ
وَيُوسُفٌ :وَلِإِشَارَةٍ إِلَى
نَوْعِ مَجَازٍ وَلِتَرْقِيقٍ جَلاَ
وَكَوْنُهُ نَكِرَةً لِوَحْدَتِهْ
كَ"رَجُلٌ" نَوْعِيَّةٍ أَوْ رِفْعَتِهْ
أَوْ ضِدِّهَا أَوْ كَثْرَةٍ أَوْ قِلَّتِهْ
وَقَدْ أَتَى لِرِفْعَةٍ وَكَثْرَتِهْ
"قَدْ كُذِّبَتْ رُسْلٌ" مِثَالٌ فَافْهَمِ
وَغَيْرُهُ نُكِّرَ قَصْدَ الْعِظَمِ
نَحْوُ "بِحَرْبٍ" وَلِضِدٍّ "ظَنَّا"
وَالنَّوْعُ وَالْإِفْرَادُ حَقًّا عَنَّا
فِي "دَابَةٍ مِنْ مَاءٍ" الَّذِي تُلِي
أَوْ قُصِدَ الْعُمُومُ إِنْ نَفْيًا وَلِي
أَوْ لِتَجَاهُلٍ أَوَ انْ لاَ يُدْرِكَا
ذُو الْقَوْلِ وَالسَّامِعُ غَيْرَ ذَلِكَا
ثُمَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهِرَهْ
إِذَا أَتَتْ نَكِرَةٌ مُكَرَّرَهْ
تَغَايَرَا وَإِنْ يُعَرَّفْ ثَانِي
تَوَافَقَا كَذَا الْمُعَرَّفَانِ
شَاهِدُهَا الَّذِي رَوَيْنَا مُسْنَدَا
"لَنْ يَغْلِبَ الْيُسْرَيْنِ عُسْرٌ أَبَدَا"
وَنَقَضَ السُّبْكِيُّ ذَا بِأَمْثِلَةْ
وَقَالَ: ذِي قَاعِدَةٌ مُسْتَشْكَلَةْ
وَوَصْفُهُ لِلْكَشْفِ وَالتَّخْصِيصِ أَوْ
تَأَكُّدٍ وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ رَأَوْا
وَكَوْنُهُ أُكِّدَ لِلتَّقْرِيرِ مَعْ
تَوَهُّمِ الْمَجَازِ وَالسَّهْوِ انْدَفَعْ
أَوْ عَدَمِ الشُّمُولِ، وَالْبَيَانُ قَرْ
لِكَشْفِهِ نَحْوُ "أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ"
وَالْعَطْفُ لِلتَّفْصِيلِ بِالْإِيجَازِ فِي
ذَا الْبَابِ وَالْمُسْنَدِ أَوْ رَدٍّ نُفِيْ
بِهِ الْخَطَا فِي "جَا أَبُوكَ لاَ الْأَجَلْ"
أَوْ صَرْفِ حُكْمٍ لِلسِّوَى فِي عَطْفِ (بَلْ(
وَالشَّكِّ وَالتَّشْكِيكِ، قُلْتُ: أَوْ سِوَى
ذَلِكَ مِمَّا حَرْفَ عَطْفٍ قَدْ حَوَى
وَبَدَلُ الشَّيْءِ وَبَعْضٍ وَاشْتِمَالْ
لِزَيْدِ تَقْرِيرٍ وَإِيضَاحٍ يُقَالْ
وَالْفَصْلُ تَخْصِيصًا لَهُ بِالْمُسْنَدِ
وَالْمَيْزَ مِنْ نَعْتٍ وَلِلتَّأَكُّدِ
وَكَوْنُهُ مُؤَخَّرًا فَلاِقْتِضَا
تَقَدُّمِ الْمُسْنَدِ أَمْرٌ مُرْتَضَى
وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا إِذْ هُوْ الْمُهِمْ
لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَمُخْرِجٌ عُدِمْ
أَوْ لِتَمَكُّنْ خَبَرٍ فِي الذِّهْنِ إِذْ
فِي الْمُبْتَدَا تَشَوُّقٌ لَهُ أُخِذْ
أَوْ سُرْعَةِ السُّرُورِ لِلتَّفَاؤُلِ
أَوْ لِمَسَاءَةِ الْعُدُوِّ الْعَاذِلِ
أَوْ كَوْنِهِ يُوهِمُ الاِسْتِلْذَاذَ بِهْ
أَوْ لاَزِمَ الْخَاطِرِ وَالَّذِي شُبِهْ
قِيلَ: وَلِلتَّخْصِيصِ بِالْفِعْلِ الْخَبَرْ
تَالِيَ نَفْيٍ نَحْوُ "مَا أَنَا أُضَرْ"
أَيْ بَلْ سِوَايَ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحْ
"وَلاَ سِوَايَ" وَالْقِيَاسُ مُتَّضِحْ
وَلاَ كَ"مَا أَنَا رَأَيْتُ أَحَدَا"
وَ"مَا أَنَا ضَرَبْتُ إِلاَّ مَنْ عَدَا"
وَمَا سِوَى التَّالِيْ لِتَخْصِيصٍ وَرَدْ
عَلَى الَّذِي يَزْعُمُ غَيْرَهُ انْفَرَدْ
أَوْ شَارَكُوا نَحْوُ "أَنَا الَّذِي عَلاَ"
بِنَحْوِ "لاَ غَيْرِيَ" أَكِّدْ أَوَّلاَ
وَنَحْوِ "وَحْدِيْ" ثَانِيًا وَوَرَدَا
تَقْوِيَةَ الْحُكْمِ كَ"ذَا يُولِي النَّدَا"
وَلَوْ نُفِيْ الْفِعْلُ كَ"أَنْتَ لاَ تَذُمْ"
فَذَا عَلاَ عَنْ "لاَ تَذُمْ" وَلَوْ تَضُمْ
أَنْتَ" إِذِ التَّأْكِيدُ لِلْمَحْكُومِ لاَ
لِلْحُكْمِ وَالْفِعْلُ إِنِ النُّكْرَ تَلاَ
فَهْوَ لِجِنْسٍ أَوْ لِفَرْدٍ حَصَرَهْ
كَ"رَجُلٌ جَا لاَ رِجَالٌ" أَوْ "..مَرَةْ"
وَقَالَ يُوسُفُ: كَذَا إِنْ قُدِّرَا
فاَعِلُهُ مَعْنًى فَقَطْ مُؤَخَّرَا
وَإِنْ يَجُزْ وَلَمْ يُقَدَّرْ أَوْ مُنِعْ
لَمْ يُسْتَفَدْ غَيْرُ التَّقَوِّي فَاسْتَمِعْ
إِلاَّ مُنَكَّرًا وَلَوْ أَنْ أُخِّرَا
فَفَاعِلاً فِي اللَّفْظِ أَيْضًا قُدِّرَا
بِجَعْلِهِ مِنَ الضَّمِيرِ مُبْدَلاَ
خَشْيَةَ فَقْدٍ لِلْخُصُوصِ إِذْ خَلاَ
مِنْ سَبَبٍ سِوَاهُ فَالْمَنْعُ لَزِمْ
مِنِ ابْتِدَاهُ لاَ مُعَرَّفٌ وُسِمْ
بِشَرْطِ فَقْدِ مَانِعِ التَّخْصِيصِ لاَ
"شرٌّ أَهَرَّ ذَا أَذًى" أَمَّا عَلَى
جِنْسٍ فَلاِمْتِنَاعِ أَنْ يُرَادَ "مَا
أَهَرَّ شَرٌّ غَيْرُ خَيْرٍ" وَأَمَا
عَلَى انْفِرَادٍ فَهْوَ لَيْسَ يَجْنَحُ
لِقَصْدِهِمْ وَإِذْ هُمُو قَدْ صَرَّحُوا
تَخْصِيصَهُ إِذْ أَوَّلُوا بِ"مَا أَهَرْ
إِلاَّ" فَبِالتَّنْكِيرِ فَظِّعْ شَأْنَ شَرْ
وَفِي جَمِيعِ قَوْلِهِ هَذَا نَظَرْ
قَالَ: وَ"زَيْدٌ قَائِمٌ" إِذِ اسْتَتَرْ
فِيهِ ضَمِيرٌ فِي التَّقَوِّي يَقْرُبُ
مِنْ "قَامَ" لاَ كَمِثْلِهِ إِذْ يُنْسَبُ
لِشِبْهِ خَالٍ صِيغَةً وَمِنْ هُنَا
لَمْ يَكُ جُمْلَةً وَلاَ كَهِيْ بِنَا
مِمَّا يُرَى تَقْدِيمُهُ كَاللاَّزِمِ
"مِثْلُكَ لاَ يَبْخَلُ يَا ابْنَ الْعَالِمِ"
وَمِثْلُهُ "غَيْرُكَ لاَ يَجُودُ" أَيْ
أَنْتَ إِذَا لَمْ يَكُ تَعْرِيضٌ بِشَيْ
وَرُبَّمَا قُدِّمَ إِذْ عَمَّ كَ"كُلْ
لَمْ يَأْتِ" إِذْ تَأْخِيرُهُ هُنَا يَدُلْ
عَلَى انْتِفَا الْحُكْمِ عَنِ الْمَجْمُوعِ لاَ
عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَهْوَ حُكْمٌ قُبِلاَ
اَلشَّيْخُ: إِنْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ أَتَتْ
"كُلٌّ" بِأَنْ أَدَاتُهُ تَقَدَّمَتْ
كَقَوْلِهِ: "مَا كُلُّ مَا تَمَنَّى"
أَوْ عَمَلُ الْمَنْفِيِّ فِيهِ عَنَّا
كَ"مَا أَتَى الرِّجَالُ كُلُّهُمْ"، وَ"لَنْ
آخُذَ كُلَّ الْمَالِ" أَوْ ذَا قَدِّمَنْ
تَوَجَّهَ النَّفْيُ إِلَى الشُّمُولِ ثُمْ
أُثْبِتَ لِلْبَعْضِ وَإِلاَّ فَلْيَعُمْ
كَ"أَصْبَحَتْ أُمُّ الْخِيَارِ تَدَّعِي
عَلَيَّ ذَنْباً كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ "
مَسْأَلَة [ الخروج عن مقتضى الظاهر ]
قَدْ يَخْرُجُ الْكَلاَمُ عَمَّا ذُكِرَا
مِنْ ذَلِكَ الْمُضْمَرُ عَمَّا أُظْهِرَا
كَ"نِعْمَ عَبْدًا" وَضَمِيرِ الشَّانِ
لِيَثْبُتَ التَّالِيهِ فِي الْأَذْهَانِ
وَعَكْسُهُ إِشَارَةً لِلاِعْتِنَا
بِكَوْنِهِ مُمَيَّزًا إِذْ ضُمِّنَا
حُكْْمًا بَدِيعًا وَادِّعَاءَ الشُّهْرَةِ
أَوِ النِّدَا عَلَى كَمَالِ الْفِطْنَةِ
لِسَامِعٍ وَالضِّدِّ وَالتَّهَكُّمِ
بِهِ كَمِثْلِ مَا إِذَا كَانَ عَمِيْ
وَغَيْرَهَا زِيَادَةَ التَّمْكِينِ قَدْ
مَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: "اللهُ الصَّمَدْ"
أَوْ لِيُقَوِّيْ دَاعِيَ الْمَأْمُورِ
أَوْ يُدْخِلَ الرَّوْعَ عَلَى الضَمِيرِ
أَوِ الْمَهَابَةِ وَالاِسْتِعْطَافِ
قُلْتُ كَذَا الْوُصْلَةُ لِلْأَوْصَافِ
وَعِظَمِ الْأَمْرِ وَتَنْبِيهٍ عَلَى
عِلِّيَّةٍ، وَعَوْدُ مَعْنَاهُ عَلاَ
وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: كُلُّ مَا ذُكِرْ
لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِذَا الَّذِي قُدِرْ
بَلْ غَيْبَةٌ وَأَخَوَاهَا قَدْ نُقِلْ
كُلٌّ لِآخَرَ الْتِفَاتٌ مُسْتَقِلْ
وَرُدَّ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ أَخَصْ
لِأَنَّهُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنًى بِنَصْ
مِنَ الثَّلاَثِ بَعْدَ ذِكْرٍ بِسِوَاهْ
مِنْهَا لِيَرْفُلَ الْكَلاَمُ فِي حُلاَهْ
لِأَنَّ نَقْلَ الْقَوْلِ فِي الْمَهَايِعِ
أَنْشَطُ لِلْإِصْغَاءِ فِي الْمَسَامِعِ
وَقَدْ يَخُصُّ كُلَّ مَوْضِعٍ نُكَتْ
كَمِثْلِ مَا أُمُّ الْكِتَابِ قَدْ حَوَتْ
فَالْعَبْدُ إِذْ يَحْمَدُ مَنْ يَحِقُّ لَهْ
ثُمَّ يَجِيءُ بِالسُّمَى الْمُبَجَّلَةْ
فَكُلُّهَا مُحَرِّكُ الْإقْبَالِ
وَمَالِكُ الْأُمُورِ فِي الْمَآلِ
فَيُوجِبُ الْإِقْبَالَ وَالْخِطَابَا
بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّطْلاَبَا
لِلْعَوْنِ فِي كُلِّ مُهِمٍّ يَقْصِدُ
وَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا قَدْ يَرِدُ
وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةٍ كَمَا فِي
عَرُوسِ الاَفْرَاحِ وَفِي الْكَشَّافِ
وَمِنْ خِلاَفِ الْمُقْتَضَى أَنْ جَاوَبَا
مُخَاطَِبًا بِغَيْرِ مَا تَرَقَّبَا
بِحَمْلِهِ عَلَى خِلاَفِ قَصْدِهِ
لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ ضِدِّهِ
أَوْ سَائِلاً بِغَيْرِ مَا قَدْ سَأَلَهْ
لِأَنَّهُ الْأَوْلَى أَوِ الْمُهِمُّ لَهْ
وَمِنْهُ مَاضٍ عَنْ مُضَارِعٍ وُضِعْ
لِكَوْنِهِ مُحَقَّقًا نَحْوُ "فَزِعْ"
قُلْتُ وَلِلْإِشْرَافِ أَوْ إِبْرَازِكَا
فِي مَعْرِضِ الْحَاصِلِ غَيْرَ ذَلِكَا
وَمِنْهُ قَلْبٌ كَ"عَرَضْتُ الْإِبِلاَ
عَلَى الْحِيَاضِ" ثُمَّ هَلْ ذَا قُبِلاَ
ثَالِثُهَا الْأَصَحُّ إِنْ لَمْ يَقْتَضِ
مَعْنًى لَطِيفًا لاَ وَإِلاَّ فَارْتُضِيْ
ك"مَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ
كَأَنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ"
وَمِنْهُ ذِكْرُ جَمْعٍ اوْ مُثَنَّى
أَوْ مُفْرَدٍ عَنْ آخَرٍ قَدْ عَنَّا
وَالاِنْتِقَالُ عَنْ خِطَابِ بَعْضِ ذِي
إِلَى خِطَابِ آخَرٍ نَوْعٌ شَذِيْ
الباب الثالث : أَحْوَالُ الْمُسْنَدِ
فَتَرْكُهُ لِمَا مَضَى وَيَحْتَمِلْ
كِلَيْهِمَا "صَبْرٌ جَمِيلٌ" قَدْ نُقِلْ
وَشَرْطُهُ قَرِينَةٌ كَذِكْرِ
سُؤَالٍ اوْ تَقْدِيرِهِ لِخُبْرِ
وَقَدْ يَجِي مِنْ أَوَّلٍ أَوْ آخِرِ
وَصَالِحًا لِذَيْنِ عِنْدَ السَّابِرِ
وَخَبَرًا لِمُبْتَدًا أَوْ (إِنَّ) أَوْ
(كَانَ) عَلَى قُبْحٍ وَفِعْلاً بَعْدَ (لَوْ)
وَذِكْرُهُ لمِاَ مَضَى أَوْ حَتْمِ
مَجِيئِهِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالاِسْمِ
قُلْتُ: وَلِلتَّعْجِيبِ فِي الْمِفْتَاحِ قَدْ
زَادَ، وَفِي الْإِيضَاحِ رَدَّ، وَانْفَرَدْ
لِكَوْنِهِ لاَ سَبَبِيًّا مَعْ عَدَمْ
إِفَادَةِ الْقُوَّةِ لِلْحُكْمِ الْمُتَمْ
وَالسَّبَبِيُّ: مَا جَرَى لِغَيْرِ مَا
يَسْبِقُهُ كَ"هِنْدَ عَبْدُهَا انْتَمَى"
وَكَوْنُهُ فِعْلاً لِأَنْ يُقَيَّدَا
بِوَقْتِهِ وَيُفْهِمَ التَّجَدُّدَا
وَاسْمًٍا لِفَقْدِ فَيْدِهِ مَا ذُكِرَا
قُلْتُ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَا:
إِفَادَةُ الثُّبُوتِ لِلْإِسْمِ فُقِد
إِنْ كَانَ مَا يَتْلُوهُ فِعْلاً) وَانْتُقِدْ
وَكَوْنُهُ مُقَيَّدًا بِقَيْد
كَنَحْوِ مَفْْعُولٍ لِزَيْدِ الْفَيْدِ
وَنَحْوُ "كُنْتُ قَائِمًا" (كَانَ) الَّذِي
قَيَّدَتِ الْمَنْصُوبَ لاَ الْعَكْسُ احْتُذِي
وَالتَّرْكُ لِلْمَانِعِ كَانْتِهَازِ
لِفُرْصَةٍ تُغْنَمُ وَالْإِيجَازِ
وَكَوْنُهُ قُيِّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنْ
يُفِيدَ مَعْنَى الْأَدَوَاتِ كَيْفَ عَنْ
وَكُلُّهَا مَبْسُوطَةٌ فِي النَّحْوِ
وَابْحَثْ هُنَا فِي (إِنْ) (إِذَا)وَ(لَوّ)
فَغَيْرُ (لَوْ) لِلشَّرْطِ فِي اسْتِقْبَالِ
لَكِنَّ إِنْ) تَخْتَصُّ بِالْمُحَالِ
لِكَوْنِهَا فِي الْأَصْلِ لِلَّذِي عَدِمْ
جَزْمًا وَعَكْسُهَا (إِذَا)، مِنْ ثَمَّ عَمْ
الَْمَاضِ فِيهَا، وَلِجَزْمٍ إِنْ تَرِدْ
تَجَاهُلاً أَوْ لِمُخَاطَبٍ فَقَدْ
جَزْمًا وَلِلتَّوْبِيخِ وَالَّذِي يُرَى
كَجَاهِلٍ إِذْ مَا عَلَى الْعِلْمِ جَرَى
كَذَا لِتَغْلِيبِ الَّذِي لَمْ يَتَّصِفْ
بِهِ عَلَى الْمَوْصُوفِ ثُمَّ ذَا عُرِفْ
فِي غَيْرِ مَا فَنٍّ كَمِثْلِ (الْعُمَرَيْنْ)
(اَلْقَانِتَيْنِ) (الْخَافِقَيْنِ) (الْقَمَرَيْنْ)
قُلْتُ: وَمَنْ يَشْرُطُ أَنْ يُغَلَّبَا
أَدْنَى أَوِ الْأَعْلَى فَلَا تُصَوِّبَا
وَاخْتَصَّتَا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ
مُسْتَقْبَلاً وَتَرْكُهُ لِنُكْتَةِ
كَمِثْلِ إِبْرَازِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلِ
فِي صُورَةِ الْحَاصِلِ وَالتَّفَاؤُلِ
وَالْقَصْدِ لِلرَّغْبَةِ فِي وُقُوعِهِ
وَقِيلَ: وَالتَّعْرِيضُ مِنْ فُرُوعِهِ
نَحْوُ "لَئِنْ أَشْرَكْتَ" وَالتَّعْرِيضَ سَمْ
بِ(مُنْصِفِ الْكَلاَمِ) مِمَّنْ قَدْ حَكَمْ
وَمِنْهُ "مَا لِيْ" تِلْوُهُ "لاَ أَعْبُدُ"
وَحُسْنُهُ إِسْمَاعُ مَنْ قَدْ يَقْصِدُ
خِطَابَهُ الْحَقَّ عَلَى وَجْهٍ مَنَعْ
غَضَبَهُ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا صَنَعْ
نِسْبَتُهُ لِلَّوْمِ، وَالْإِعَانَةْ
عَلَى قَبُولِهِ لِمَا أَبَانَهْ
مِنْ نُصْحِهِ؛ إِذْ لَمْ يُرِدْ لَهُ سِوَى
مُرَادِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا نَوَى
وَ(لَوْ لِشَرْطِ الْمَاضِ وَانْتِفَائِهِ
لاَ لاِنْتِفَا الْمَشْرُوطِ أَوْ بَقَائِهِ
فَذَاكَ بِاللاَّزِمِ؛ هَكَذَا ذَكَرْ
جَمَاعَةٌ وَشَيْخُنَا لَهُ نَصَرْ
مِنْ ثَمَّ غَالِبًا تَلِي الْفِعْلِيَّةْ
وَفِعْلَ جُزْأَيْهَا الْزَمَنْ مُضِيَّهْ
وَلاِنْحِتَامِ كَوْنِ ذَاكَ وَاقِعَا
وَقَصْدِ الاِسْتِمْرَارِ جَا مُضَارِعَا
وَقَصْدِ الاِسْتِحْضَارِ مِثْلُ مَا أَتَى
فِي غَيْرِ ذَا، وَقَدْ تَقَضَّى ضِدُّ تَا
قُلْتُ: وَأَمَّا نَفْيُهُ فَالْأَحْرُفُ
سِتٌّ، لِمَعْنًى كُلُّ حَرْفٍ يُؤْلَفُ
فَ(مَا) وَ(إِنْ) كَ(لَيْسَ) نَفْيُ الْحَالِ
وَ(لاَ) وَ(لَنْ(لِنَفْيِ الاِسْتِقْبَالِ
فَ(إِنْ) أَدَقُّ ثُمَّ لِلتَّأْكِيدِ (لَنْ)
وَنَفْيِ مَا كَانَ حُصُولُهُ يُظَنْ
قِيلَ: وَلِلتَّأْبِيدِ، لَكِنْ تُرِكَا
وَخَصَّهُ (لاَ) ابْنُ خَطِيبِ زَمْلَكَا
قَالَ: وَلَنْ لِنَفْيِ مَا قَدْ قَرُبَا،
وَالاِرْتِشَافُ فِيهِ هَذَا قَدْ أَبَى
وَ(لَمْ) وَ(لَمَّا) نَفْيُ مَاضٍ وَانْفَرَدْ
(لَمَّا) بِالاِسْتِغْرَاقِ مَعْ مَدْخُولِ (قَدْ)
وَكَوْنُ مَا أُسْنِدَ ذَا تَنَكُّرِ
لِقَصْدِ أَنْ لاَ عَهْدَ أَوْ لَمْ يُحْصَرِ
كَذَاكَ لِلتَّفْخِيمِ أَوْ لِلضَّعْفِ،
وَكَوْنُهُ مُخَصَّصًا بِالْوَصْفِ
أَوْ بِإِضَافَةٍ لِكَوْنِهِ أَتَمْ
فَائِدَةً، وَتَرْكُهُ لِلْفَقْدِ عَمْ
وَكَوْنُهُ مُعَرَّفًا لِيَفْهَمَا
مُخَاطَبٌ حُكْمًا عَلَى مَا عَلِمَا
بِبَعْضِ مَا عَرَّفَ بِالَّذِي جَهِلْ
أَوْ لاَزِمًا، كَذَا "أَخِيْ" أَوِ "الْأَجَلْ"
عَهْدًا أَوِ الْجِنْسَ أَرِدْ كَعَكْسِ
ذَيْنِ، وَقَدْ يُفِيدُ قَصْرَ الْجِنْسِ
ذُو اللاَّمِ تَحْقِيقًا عَلَى شَيْءٍ كَذَا
مُبَالَغًا كَ"هْوَ الْأَمِيرُ" وَ"..الْأَذَى"
وَمَنْ يَقُلْ: (مُعَيَّنٌ لِلاِبْتِدَا
إِسْمٌ وَلِلْإِخْبَارِ وَصْفٌ) فَارْدُدَا
وَجُمْلَةً يَجِيءُ لِلتَّقْوِيَةِ
أَوْ سَبَبِيًّا كَانَ كَالْإِسْمِيَّةِ
فِعْلِيَّةً شَرْطِيَّةً لِمَا مَضَى
ظَرْفِيَّةً تَقْدِيرُهَا الْفِعْلُ رِضَا
فَلاِخْتِصَارِهَا وَفِي تَأْخِيرِهِ
اَلنُّكْتَةُ اهْتِمَامُ شَأْنِ غَيْرِهِ
وَعَكْسُهُ لِكَوْنِهِ بِالْمُسْنَدِ
إِلَيْهِ مَخْصُوصًا كَ"مَا فِيهَا عَدِيْ"
مِنْ ثَمَّ فِي "لاَ رَيْبَ فِيهِ" أُخِّرَا
كَيْ لاَ يُفِيدَ الرَّيْبَ فِيمَا غَبَرَا
أَوْ فَهْمِ الْاِخْبَارِ بِهِ مِنْ أَوَّلِ
أَوْ لِتَشَوُّقٍ أَوِ التَّفَاؤُلِ
قُلْتُ: وَلِلْمَفْعُولِ إِنَّمَا بُنِي
لِكَوْنِهِ فِي الذُّكْرِ نُصْبَ الْأَعْيُنِ
أَوِ السِّيَاقِ دَلَّ أَوْ لاَ يَصْدُرُ
عَنْ غَيْرِهِ أَوْ كَوْنِهِ يُحَقَّرُ
كَذَاكَ لِلْجَهْلِ وَالاِخْتِصَارِ
وَالسَّجْعِ وَالرَّوِيِّ وَالْإِيثَارِ
تَنْبِيه
غَالِبُ هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي خَلاَ
يَجِيءُ فِي سِوَاهُمَا تَأَمَّلاَ
الباب الرابع : أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ وَمَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ
اَلْفِعْلُ أَوْ بَقِيَّةُ الْعَوَامِلِ
مَعَ اسْمِهَا الْمَنْصُوبِ مِثْلُ الْفَاعِلِ
فِي ذِكْرِهِ لِيُفْهِمَ التَّعَلُّقَا
دُونَ إِفَادَةِ الْوُقُوعِ مُطْلَقَا
فَحَذْفُهُ إِنْ أُطْلِقَ الْإِثْبَاتُ لَهْ
أَوْ نَفْيُهُ لِلاِسْمِ أَعْنِي فَاعِلَهْ
لِكَوْنِهِ نُزِّلَ كَاللاَّزِمِ لاَ
مُقَدَّرٌ فِيهِ فَإِمَّا جُعِلاَ
اَلْفِعْلُ كَانِيًا عَنِ الْفِعْلِ يُخَصْ
مَعْمُولُهُ دَلَّ عَلَيْهِ نَوْعُ نَصْ
كَ"شَجْوُ حُسَّادِكَ أَنْ يَرَى بَصَرْ"
أَيْ أََنْ يَكُونَ مُبْصِرٌ لِمَا ظَهَرْ
أَوْ لاَ يَكُونُ مِثْلَ مَا تَلَوْنَا
"هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَا"
أَمَّا الَّذِي يُحْذَفُ وَهْوَ مَا رُفِضْ
فَلاَئِقًا قَدِّرْ، وَفِي هَذَا الْغَرَضْ
مِنْ بَعْدِ الاِبْهَامِ الْبَيَانُ مِثْلُ "شَا"
مَا لَمْ يَكُ الْتِبَاسُهُ مُسْتَوْحَشَا
أَوْ دَفْعُ أَنْ يَبْتَدِرَ الذِّهْنُ إِلَى
غَيْرِ الْمُرَادِ وَاعْتِنَاءٌ كَمَلاَ
بِذِكْرِ الاِيقَاعِ لَهُ بَعْدُ عَلَى
صَرِيحِهِ أَوْ أَدَبٌ مَعَ الْعُلاَ
أَوِ اخْتِصَارٌ مَعْ دَلِيلٍ قَامَ لَهْ
أَوْ هَجْنَةٌ أَوْ أَنْ تُرَاعَى الْفَاصِلَهْ
كَذَا إِفَادَةُ الْعُمُومِ بِالْكَلاَمْ
كَقَوْلِهِ "يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمْ"
أَوْ نَحْوُ ذَا، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمَا
لِرَدِّ تَعْيِينِ الْخَطَا مِنْ ثَمَّ مَا
يُقَالُ "مَا أَبُو الْبَقَاءِ لُمْتُهْ
وَلاَ سِوَاهُ"، لاَ "..وَلَكِنْ عِنْتُهْ"
أَمَّا فِي الاِشْتِغَالِ فَالتَّأْكِيدُ إِنْ
قُدِّرَ مَا فُسِّرَ قَبْلَهُ يَعِنْ
وَبَعْدُ تَخْصِيصٌ وَهَذَا يَغْلِبُ
فِيهِ كَ"يَا رَبِّ إِلَيْكَ أَرْغَبُ"
وَقَدْ يُفِيدُ فِي الْجَمِيعِ الاِهْتِمَامْ
بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي الْمَقَامْ
تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ "بِاسْمِ اللهِ" بِهْ
مُؤَخَّرًا فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ
تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ (اقْرَأْ) فَهُنَا
كَانَ الْقِرَاءَةُ الْأَهَمَّ الْمُعْتَنَى
قُلْتُ: وَشَرْطُ الاِخْتِصَاصِ مَنْعُ أَنْ
يَسْتَوْجِبَ التَّقْدِيمَ أَوْ بِالْوَضْعِ عَنْ
أَوْ كَانَ مُصْلِحًا لِأَنْ يُرَكَّبَا
وَبَعْضُهُمْ لِلاِخْتِصَاصِ قَدْ أَبَى
وَيَرْفَعُ الْخِلاَفَ قَوْلُ السُّبْكِي:
لَيْسَ رَدِيفَ الْحَصْرِ غَيْرَ شَكِّ
وَبَعْضُ مَعْمُولاَتِهِ يُقَدَّمُ
عَلَى السِّوَى إِذْ أَصْلُهُ التَّقَدُّمُ
وَلاَ اقْتِضَا لِمَعْدِلٍ كَأَوَّلِ
(أَعْطَى) وَكَالْفَاعِلِ أَوْ لِخَلَلِ
يَحْصُلُ فِي مَعْنَاهُ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ
تَنَاسُبٍ، وَالاِخْتِصَاصَ قَدْ حَكَوْا
وَقَدْ يَجِي عَنْ مَصْدَرٍ سِوَاهُ
لِنُكْتَةٍ يُدْرِكُ مَنْ حَوَاهُ
وَنُكْتَةُ التَّمْيِيزِ حِينَ حُوِّلاَ
فَخَامَةٌ تُدْرَكُ حِينَ يُجْتَلَى
الباب الخامس : الْقَصْرُ
إِمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا غَيْرُ ذَا
فَالْقَصْرُ لِلْمَوْصُوفِ وَالْوَصْفِ اللَّذَا
أَعَمُّ مَعْنًى أَوَّلُ الْحَقِيقِي
كَ"إِنَّمَا مُحَمَّدٌ صَدِيقِي"
أَيْ مَا لَهُ وَصْفٌ سِوَاهُ يُورَدُ
وَهْوَ عَزِيزٌ لاَ يَكَادُ يُوجَدُ
وَالثَّانِ مِنْهُ غَالِبٌ كَ"لَيْسَ فِي
ذِي الدَّارِ إِلاَّ ذَا" وَرُبَّمَا يَفِي
مُبَالَغًا إِذْ غَيْرُهُ مَا اعْتُدَّ بِهْ
وَأَوَّلَ الْمَجَازِ خُذْ لاَ يَشْتَبِهْ
تَخْصِيصُ أَمْرٍ صِفَةً دُونَ صِفَةْ
أَوْ وُضِعَتْ عَنْهَا وَثَانِي ذِي الصِّفَةْ
تَخْصِيصُهُ الْوَصْفَ بِأَمْرٍ دُونَ مَا
سِوَاهُ أَوْ مَكَانَ ذَاكَ فَهُمَا
ضَرْبَانِ فَالْخِطَابُ بِالْأَوَّلِ مِنْ
ضَرْبَيْهِمَا لِمَنْ لِشِرْكَةٍ يَظُنْ
فَقَصْرُ إِفْرَادٍ لِقَطْعِ الشِّرْكَةِ،
وَالثَّانِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْعَكْسَ لِتِي
فَقَصْرُ قَلْبٍ، أَوْ تَسَاوَيَا لَدَى
مُخَاطَبٍ فَقَصْرُ تَعْيِينٍ بَدَا
وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْصُوفِ إِذْ مَا يُفْرَدُ
أَنْ لاَ تَنَافِيْ فِي الصِّفَاتِ يُوجَدُ،
وَالْقَلْبُ أَنْ يُوجَدَ، وَالتَّعْيِينُ عَمْ،
وَطُرُقُ الْقَصْرِ كَثِيرَةٌ تُضَمْ
كَالْعَطْفِ "زَيْدٌ قَائِمٌ لاَ قَاعِدُ"
وَ"لَيْسَ عَمْرٌو شَاعِرًا بَلْ حَامِدُ"
وَالنَّفْيُ مَعْ (إِلاَّ) كَ"مَا مُحَمَّدُ
إِلاَّ رَسُولٌ"، "مَا الْحِمَى إِلاَّ الْيَدُ"
وَ(إِنَّمَا) -وَمَا أَصَابَ الْجَاحِدُ-
كَ"إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدُ"
كَذَا إِذَا قَدَّمْتَهُ نَحْوُ "بِنَا
مَرَّ" وَفِي الْوَصْفِ "تَمِيمِيٌّ أَنَا"
قُلْتُ: وَقِيلَ (أَنَّ) بِالْفَتْحِ وَ(مَا)
كَ"إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا"
وَذِكْرُ مُسْنَدٍ إِلَيْهِ، وَكَذَا
تَعْرِيفُهُ وَمُسْنَدٍ، وَغَيْرُ ذَا
وَاخْتَلَفَتْ مِنْ أَوْجُهٍ فَالْوَضْعُ قُلْ
لِلْكُلِّ لاَ التَّقْدِيمِ فَالْفَحْوَى يَدُلْ
وَالْأَصْلُ ذِكْرُ مُثْبَتٍ وَالْمَنْفِي
فِي أَوَّلٍ يُعْنَى بِهِ فِي الْعَطْفِ
وَرُبَّمَا لِكُرْهِ الاِطْنَابِ سَقَطْ
وَفِي الْبَوَاقِي ذِكْرُ مُثْبَتٍ فَقَطْ
وَالنَّفْيُ لاَ يُجَامِعُ الثَّانِيْ فَ(لاَ)
لاَ تَنْفِ إِنْ نَفْيٌ بِغَيْرِهَا خَلاَ
وَلِلْأَخِيرَيْنِ فَقَدْ تُجَامِعُ
كَ"إِنَّمَا أَنَا النَّدَى لاَ اللاَّمِعُ"
وَقِيلَ: شَرْطُ جَمْعِهِ مَعْ (إِنَّمَا)
أَنْ لاَ يُخَصَّ الْوَصْفُ بِالَّذِي انْتَمَى
وَقِيلَ: شَرْطُ الْحُسْنِ، وَهْوَ أَقْرَبُ،
وَأَصْلُ ثَانٍ جَهْلُ مَنْ يُخَاطَبُ
وَجَحْدُهُ لِمَا لَهُ يُسْتَعْمَلُ
وَيُجْعَلُ الْمَعْلُومُ كَاللَّذْ يُجْهَلُ
فَخُذْ لَهُ الثَّانِيْ لِأَمْرٍ نَاسَبَا
وَاسْتَعْمِلَنْهُ مُفْرِدًا وَقَالِبَا
كَمِثْلِ"مَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولْ"
إِذْ عَظَّمُوا مَمَاتَهُ مِثْلَ الْجَهُولْ
أَيْ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا مَا عَدَا
إِلَى التَّبَرِّي مِنْ هَلاَكٍ وَرَدَى
وَقَوْلُهُ: "إِنْ أَنْتُمُو إِلاَّ بَشَرْ"
لِزَاعِمِ الرُّسْلِ سِوَاهُ وَأَصَرْ
مُخَاطَبٌ عَلَى ادِّعَا الرِّسَالَهْ
وَقَوْلُهُمْ: "إِنْ نَحْنُ مِثْلُ الْقَالَهْ"
مِنَ الْمُجَارَاةِ لِخَصْمٍ كَيْ عَثَرْ
إِرَادَةَ التَّبْكِيتِ لاَ لِلنَّفْيِ قَرْ
وَ(إِنَّمَا) بِعَكْسِهِ كَ"إِنَّمَا
هَذَا أَخُوكَ" أَيْ فَرِقَّ وَارْحَمَا
وَرُبَّمَا يُنَزَّلُ الْمَجْهُولُ فِي
دَعْوَى الظُّهُورِ كَسِوَاهُ فَيَفِي
ثُمَّ عَلَى الْعَطْفِ لَهَا مَزِيَّةْ
إِذْ يُعْلَمُ الْحُكْمَانِ بِالْمَعِيَّةْ
وَمِثْلُهَا التَّقْدِيمُ فِي التَّعْوِيضِ
وَخَيْرُ مَا يُورَدُ فِي التَّعْرِيضِ
مَسْأَلَة
يَجِيءُ بَيْنَ مُبْتَدًا وَخَبَرِ
وَالْفِعْلِ مَعْ تَعَلُّقٍ لاَ الْمَصْدَرِ
وَأَخِّرَنَّ مَا عَلَيْهِ قَدْ قُصِرْ
مُسْتَثْنِيًا مَعَ الْأَدَاةِ وَنَدَرْ
تَقْدِيمُ هَذَيْنِ لِئَلاَّ يَلْزَمَا
قَصْرُ الصَّفَاتِ قَبْل أَنْ تُتَمَّمَا
وَأَخِّرَنْ فِي (إِنَّمَا) لِئَلاَّ
يَعْرِضَ لَبْسٌ، (غَيْرُ) مِثْلُ (إِلاَّ)
فِي الْقَصْرِ وَالْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ بِ(لاَ)
وَإِنَّمَا جَا الْقَصْرُ فِي الَّذِي خَلاَ
لِأَنَّ نَفْيَ فَارِغِ الْإِسْتِثْنَا
مُوَجَّهٌ إِلَى الَّذِي يُسْتَثْنَى
مِنْهُ مُقَدَّرًا وَعَامًا نَاسَبَا
تَالِيهِ جِنْسًا، فَإِذَا مَا أُوجِبَا
شَيْءٌ بِ(إِلاَّ) مِنْهُ جَاءَ قَطْعَا،
وَوَضْعُ ذِي هُنَا أَتَمُّ صُنْعَا
الباب السادس : الْإِنْشَاءُ
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الطَّلَبِي
طَالِبُ مَا يُفْقَدُ وَقْتَ الطَّلَبِ
أَنْوَاعُهُ مِنْهَا التَّمَنِّيْ وَوُضِعْ
(لَيْتَ) لَهُ وَلَوْ مُحَالاً فَاسْتَمِعْ
كَمِثْلِ "يَا لَيْتَ الشَّبَابَ عَائِدْ"
وَقَدْ يَجِي بِ(هَلْ) كَ"هَلْ مِنْ عَاضِدْ"
لِفَقْدِهِ عِلْمًا وَهَكَذَا بِ(لَوْ)
وَيُوسُفٌ كَأَنَّ مِنْهُمَا حَذَوْا
هَلاَّ وَ (أَلاَّ) بِانْقِلاَبِ الْهَاءِ مَعْ
(لَوْلاَ) وَ(لَوْمَا) بِمَزِيد)مَا )وَقَعْ
إِذْ أُشْرِبَا مَعْنَى التَّمَنِّي لِيَفِي
فِي الْمَاضِ تَنْدِيمٌ كَذَا التَّحْضِيضُ فِي
مُسْتَقْبَلٍ "هَلاَّ أَتَيْتَ"، "هَلاَّ
تَجِي" وَخُذْ تَمَنِّيًا بِ(عَلاَّ)
فَانْصِبْ جَوَابَهَا كَ(لَيْتَ) وَالْخَبَرْ
تَضْمِينُهُ لَفْظَ التَّمَنِّي مُسْتَطَرْ
وَمِنْهَا الاِسْتِفْهَامُ بِ(الْهَمْزِ)وَ(هَلْ)
(مَا)(مَنْ)وَ(أَيٍّ)(كَمْ)وَ(كَيْفَ)(أَيْنَ) (دَلْ)
(أَنَّى) (مَتَى) (أَيَّانَ)، فَالْهَمْزَ اذْكُرِ
لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ وَالتَّصَوُّرِ
نَحْوُ "أَزَيْدٌ قَائِمٌ" "أَذَاكَ خَلْ
أَمْ عَسَلٌ"، قُلْتُ: وَذُو التَّصْدِيقِ حَلْ
تَالِيهِ (أَمْ) مُنْقَطِعًا وَالثَّانِي
مُتَّصِلاً وَلَمْ يُقَبَّحْ بَانِي
نَحْوُ "أَزَيْدٌ قَامَ"، "أَلْجَهُولاَ
عَرَفْتَ" ثُمَّ أَوْلِهَا الْمَسْؤُولاَ
بِهَا كَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ بِمَا
مَضَى وَفِعْلٍ فِي "أَخِلْتَ الْمُنْتَمَى"
قُلْتُ: وَذَا الْحُكْمُ لِغَيْرِهَا اسْتَقَرْ
كَذَاكَ فِي الْعَرُوسِ وَالطِّيبِي ذَكَرْ
وَ(هَلْ ) لِتَصْدِيقٍ فَقَطْ كَ"هَلْ أَتَى
زَيْدٌ"، وَ"هَلْ عَمْرٌو أَبُو هَذَا الْفَتَى"
مِنْ ثَمَّ لاَ يُعْطَفُ بَعْدَهَا بِ(أَمْ)
وَنَحْوُ"هَلْ زَيْدًا ضَرَبْتَ" الْقُبْحُ أَمْ
إِذْ أَفْهَمَ التَّقْدِيمُ تَصْدِيقًا حَصَلْ
بِالْفِعْلِ نَفْسِهِ خِلاَفَ مَا اشْتَغَلْ
وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: "هَلْ عَبْدٌ عَرَفْ"
قُبْحٌ لَهُ وَلاَزِمٌ عَمَّا وَصَفْ
جَوَازُ "هَلْ زَيْدٌ" وَبَعْضٌ عَلَّلاَ
قُبْحَهُمَا بِأَنَّ (هَلْ) تَأَصَّلاَ
رَدِيفَ (قَدْ)وَالْهَمْزُ قَبْلُ حُذِفَا
لِكَثْرَةِ الْوُقُوعِ، قُلْتُ :اخْتُلِفَا
فِي كَوْنِهَا تُفِيدُ ذَاكَ فَضْلاَ
عَنْ كَوْنِهَا لِذَاكَ وَضْعًا أَصْلاَ
وَإِنَّمَا الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَهْ
وَكَمْ إِمَامٍ رَدَّ ذِي الْمَقَالَةْ
وَخَصَّصَتْ مُضَارِعًا بِمَا يَجِي
فَلاَ تَقُلْ "هَلْ تَطْرُدِينَ الْمُرْتَجِي"
كَمَا يَجِي فِي هَمْزَةٍ لِأَجْلِ
ذَيْنِ لَهَا تَخَصُّصٌ بِالْفِعْلِ
مِنْ ثَمَّ "أَنْتُمْ شَاكِرُونَ" بَعْدَ "هَلْ"
مِنْ "تَشْكُرُوا" لِطَلَبِ الشُّكْرِ أَدَلْ
لِأَنَّ إِبْرَازَ الَّذِي جُدِّدَ فِي
مَعْرِضِ ثَابِتٍ أَدَلُّ إِذْ يَفِي
عَلَى كَمَالِ الاِعْتِنَا بِأَنْ حَصَلْ
وَمِنْ"أَأَنْتُمُ" الَّذِي الثُّبُوتَ دَلْ
لِأَنَّ (هَلْ) لِلْفِعْلِ أَدْعَى مِنْهَا
فَتَرْكُهُ مَعْهَا أَدَلُّ كُنْهَا
مِنْ ثَمَّ لاَ يَحْسُنُ "هَلْ مَلِيحِي
مُنْطَلِقٌ" إِلاَّ مِنَ الْفَصِيحِ
وَ(هَلْ) بَسِيطٌ لِلْوُجُودِ يَطْلُبُ،
وَمَا وُجُودُهُ لِشَيْ مُرَكَّبُ
فَأَوَّلٌ كَ"هَلْ سُكُونُهُ وُجِدْ"
وَالثَّانِ "هَلْ سُكُونُهُ دَوْمٌ" عُهِدْ
تَنْبِيهٌ
مُسْتَفْهَمُ التَّصْدِيقِ يُوسُفٌ وَفَى
لِلْحُكْمِ بِالثُّبُوتِ أَوْ بِالاِنْتِفَا
وَمَنْ نَفَى مُسْتَفْهَمَ النَّفْيِ بِهَلْ
كَصَاحِبِ الْمِصْبَاحِ وَالْمُغْنِي وَهَلْ
بِالْبَاقِيَاتِ يُطْلَبُ التَّصَوُّرُ
فَ(مَا) لِشَرْحِ الاِسْمِ قَبْلُ تُذْكَرُ
أَوْ لِحَقِيقَةِ الْمُسَمَّى وَ(هَلِ)
بَسِيطَةً رُتْبَتُهَا الْأُولَى تَلِي
وَ(مَنْ) بِهَا يُطْلَبُ أَنْ يُعَيَّنَا
مُشَخِّصٌ يَعْلَمُ نَحْوُ "مَنْ هُنَا"
وَقِيلَ: (مَا) لِلْجِنْسِ وَالْوَصْفِ تَعُمْ
فَفِي جَوَابِ: "مَا لَدَيْكَ؟" الثَّوْبَ أُمْ
وَفِي جَوَابِ: "مَا أَخُوكَ؟" الْمُرْتَضَى
وَمَنْ لِجِنْسٍ عَالِمٍ وَمَا ارْتَضَى
لاَ وَصْفِهِ، وَاسْأَلْ بِ(أَيٍّ) عَمَّا
يُمَيِّزُ الشِّرْكَةَ فِيمَا عَمَّا
وَاسْأَلْ بِ(كَمْ) عَنْ عَدَدٍ،وَ(كَيْفَ) عَنْ
حَالٍ،وَ(أَيْنَ) لِلْمَكَانِ، وَالزَّمَنْ
(مَتَى)، وَ(أَيَّانَ) لِذِي اسْتِقْبَالِ
قِيلَ وَلِلتَّفْخِيمِ فِي الْأَهْوَالِ
(أَنَّى( كَ(كَيْفَ) تَارَةً كَ"أَنَّى
شِئْتُمْ"، وَ"مِنْ أَيْنَ" كَثِيرًا عَنَّا
وَرُبَّمَا تُسْتَعْمَلُ الْأَدَاةُ فِي
سِوَاهُ كَاسْتِبْطَائِهِ أَوْ أَنْ يَفِيْ
لِعَجَبٍ كَمِثْلِ "مَا لِيْ لاَ أَرَى"
كَذَا لِتَنْبِيهِ الضَّلاَلِ قَدْ عَرَى
وَلِلْوَعِيدِ كَ"أَلَمْ أُؤَدِّبِ
زَيْدًا" لِمَنْ يُرَى مُسِيءَ الْأَدَبِ
كَذَا لِتَقْرِيرٍ بِهَمْزٍ قَدْ سَبَقْ
مُقَرَّرًا بِهِ وَلِلْإِنْكَارِ حَقْ
وَذَا لِتَكْذِيبٍ وَتَوْبِيخٍ يَرِدْ
وَلِتَهَكُّمٍ وَتَهْوِيلٍ وَضِدْ
كَذَا لِلاِسْتِبْعَادِ، قُلْتُ: أُلِّفَا
فِيهَا كِتَابٌ قَدْ مَحَا عَنْهَا الْخَفَا
وَزِيدَ لِلتَّشْوِيقِ وَالتَّرْغِيبِ مَعْ
تَسْوِيَةٍ وَالْعَرْضِ وَالْأُنْسِ وَقَعْ
وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ،وَقَدْ يَجْتَمِعَا
مِثْلَ تَعَجُّبٍ وَتَوْبِيخٍ مَعَا
وَهَلْ يُرَى الْمَعْنَى الأَصِيلُ يُسْبَرُ
مَعْ هَذِه أَوْ زَالَ فِيهِ نَظَرُ
فَصْلٌ
وَالْأَمْرُ مِنْ أَنْوَاعِهِ ثُمَّ الْأَصَحْ
صِيغَتُهُ بِاللاَّمِ أَوْ لاَ قَدْ وَضَحْ
لِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ اسْتِعْلاَءِ
وَقَدْ يَجِي لِلْعَالِ لِلدُّعَاءِ
وَلِلْمُسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَيَرِدْ
إِبَاحَةً كَذَا لِتَهْدِيدٍ قُصِدْ
وَلِإِهَانَةٍ وَلِلتَّسْخِيرِ
وَالْخَبَرِ التَّعْجِيزِ وَالتَّخْيِيرِ
وَلِلتَّمَنِّي وَامْتِنَانٍ وَالْعَجَبْ
تَسْوِيَةٍ وَالاِحْتِقَارِ وَالْأَدَبْ
وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: لِلْفَوْرِ اقْتَضَى
قُلْتُ: أَعَمُّ مِنْهُ فِي الْقَوْلِ الرِّضَى
وَالنَّهْيَ فَاعْدُدْهُ مِنَ الْإِنْشَاءِ
وَحَرْفُهُ (لاَ) وَهْوَ ذُو اسْتِعْلاَءِ
وَقَدْ يَجي طَالِبَ غَيْرِ الْكَفِّ
وَالتَّرْكِ كَالتَّهْدِيدِ لِلتَّشَفِّي
قُلْتُ:وَلِلتَّقْلِيلِ وَامْتِنَانِ
وَلِلدُّعَا الْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ
وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ يُقَدَّرُ
شَرْطٌ يَلِيهَا جَازِمًا مَا يُذْكَرُ
كَ"لَيْتَ لِيْ مَالاً أَصَدَّقْ"أَيْ إِنِ
أُرْزَقْهُ، "زُرْنِي أُشْفَ" أَيْ إِنْ زُرْتَنِيْ
وَوُلِّدَ الْعَرْضُ مِنِ اسْتِفْهَامِ
فَقُلْ: "أَلاَ تَنْزِلْ تُعَدَّ السَّامِي"
وَلِدَلِيلٍ جَازَ أَنْ يُقَدَّرَا
فِي غَيْرِهَا فَ"اللهُ هُوْ" لِمَنْ قَرَا
ثُمَّ النِّدَا مِنْهَا وَرُبَّمَا تَرِدْ
صِيغَتُهُ لِغَيْرِ مَا لَهُ قُصِدْ
كَمِثْلِ الاِغْرَاءِ كَ"يَا مَظْلُومُ"
لِمَنْ شَكَا الظُّلْمَ، وَ"يَا مَحْرُومُ"
وَالاِخْتِصَاصِ "أَنَا أَيُّهَا الرَّجُلْ
أَفْعَلُهُ" أَيْ مُتَخَصِّصًا فَقُلْ
قُلْتُ: وَلاِسْتِغَاثَةٍ تَعَجُّبِ
تَحَسُّرٍ كَ"يَا دِيَارَ الْعَرَبِ"
وَأَصْلُ (يَا) لَدَى النِّدَاءِ لِلْبَعِيدْ
وَقَدْ تَجِي لِغَيْرِهِ مِثْلِ الْبَلِيدْ
وَالْحِرْصِ فِي وُقُوعِهِ وَالاِعْتِنَا
أَوْ شَأْنَهُ عَظَّمَهُ أَوْ هَوَّنَا
ثُمَّ التَّرَجِّي بِ(لَعَلَّ) أَهْمَلاَ
وَقَدْ تَجِي تَوَقُّعًا تَعَلُّلاَ
كَذَا لِشَكٍّ وَلِلاِسْتِفْهَامِ
وَيُطْلَبُ الْإِعْطَافُ بِالْأَقْسَامِ
تَنْبِيهٌ
وَقَدْ يَجِي الْإِخْبَارُ مَوْضِعَ الطَّلَبْ
تَحَرُّزًا عَنْ صُورَةِ الْأَمْرِ أَدَبْ
وَلِتَفَاؤُلٍ وَقَصْدِ الْحِرْصِ فِي
وُقُوعِهِ وَاحْتَمَلاَ إِذَا يَفِي
مِنَ الْبَلِيغِ صِيغَةُ المَاضِي دُعَا
أَوْ حَمْلِهِ عَلَيْهِ مَنْ قَدْ سَمِعَا
قُلْتُ: وَقَدْ يُعْكَسُ ذَا لِنُكَتِ
تُدْرَكُ فِي مَحَلِّهَا بِالْفِطْنَةِ
ثُمَّتَ الاِنْشَاءُ كَمِثْلِ الْخَبَرِ
فِي غَالِبِ الَّذِي مَضَى فَاعْتَبِرِ
الباب السابع : الْوَصْلُ وَالْفَصْلُ
تَعَاطُفُ الْجُمَلِ يُدْعَى الْوَصْلاَ
وَتَرْكُهُ الْفَصْلُ، فَأَمَّا الْأُولَى
فَإِنْ يَكُنْ لَهَا مَحَلٌّ وَقُصِدْ
تَشْرِيكُ تَالِيهَا لَهَا فِيمَا وُجِدْ
فَاعْطِفْ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مَقْبُولاَ
تَنَاسُبٌ، لِلْفَقْدِ جِئْ مَفْصُولاَ
أَوْ لاَ مَحَلَّ وَارْتِبَاطٌ يُحْتَذَى
بِعَاطِفٍ لاَ الوَاوِ فَاعْطِفْهَا بِذَا
كَ"رَاحَ زَيْدٌ ثُمَّ جَاءَ" أَوْ "فَجَا
عَمْرٌو" لِمُهْلَةٍ وَفَوْرٍ نُهِجَا
أَوْ لاَ وَلَمْ يُعْطَ الَّذِي لِلْأُولَى
لَهَا فَفَصْلٌ وَكَذَا إِنْ تُولَى
مَعَ كَمَالِ الاِتِّصَالِ أَوْ سِوَاهْ
مِنْ غَيْرِ إِيهَامٍ كِلاَهُمَا حَوَاهْ
أَوْ شِبْهِ هَذَيْنِ وَإِلاَّ فَصِلِ
أَمَّا كَمَالُ الاِنْقِطَاعِ الْمُكْمَلِ
فَلاِخْتِلاَفٍ بَيْنَ إِنْشَا وَخَبَرْ
لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ بِمَعْنًى مُسْتَقَرْ
كَ"مَاتَ زَيْدٌ غَفَرَ الرَّحْمَنُ لَهْ"
أَوْ فَقْدِ جَامِعٍ هُنَاكَ شَمِلَهْ
ثُمَّ كَمَالُ الاِتِّصَالِ مِثْلُ أَنْ
تَكُونَ تَأْكِيدًا لِلاُولَى فَادْفَعَنْ
تَوَهُّمَ الْمَجَازِ وَالسَّهْوِ كَ"لاَ
رَيْبَ" فَلَمَّا بِنِهَايَةِ الْعُلاَ
بُولِغَ فِي وَصْفِ الْكِتَابِ إِذْ جُعِلْ
اَلْمُبْتَدَا "ذَلِكَ" وَاللاَّمُ دَخَلْ
فِي خَبَرٍ جَازَ تَوَهُّمُ الْمَجَازْ
قَبْلَ تَأَمُّلٍ فَدَفْعُهُ يُجَازْ
فَهْوَ وِزَانُ "نَفْسِهِ" مُؤَكِّدَا
زَيْدًا كَذَاكَ قَوْلُهُ بَعْدَ :"هُدَى"
فَإِنَّ مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ إِلَى
دَرَجَةٍ نَحْوُ "الْهُدَى" لَنْ تُوصِلاَ
حَتىَّ كَأَنَّهُ هُدًى مَحْضٌ وَذَا
مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابُ قَطْعًا أُخِذَا
لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْكِتَابُ الْكَامِلُ
أَيْ فِي الْهُدَى إِذْ لاَ سِوَاهُ حَامِلُ
فَهْوَ وِزَانُ "زَيْدٍ" الثَّانِي إِذَا
كَرَّرْتَهُ فَقِسْ عَلَيْهِ وَخُذَا
أَوْ بَدَلاً مِنْ تِلْكَ غَيْرَ وَافِيَةْ
بِمَا يُرَادُ أَوْ كَغَيْرِ الْوَافِيَةْ
وَيَقْتَضِي الْمَقَامُ الاِعْتِنَاءَا
بِشَأْنِهِ لِنُكْتَةٍ تَرَاءَى
لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مَطْلُوبَا
فَظِيعًا اوْ لَطِيفًا اوْ عَجِيبَا
كَقَوْلِهِ جَلَّ: "أَمَدَّكُمْ بِمَا"
ثُمَّ "أَمَدَّكُمْ" وَعَدَّ الْأَنْعُمَا
فَالْقَصْدُ ذِكْرُ نِعَمٍ وَالثَّانِي
أَوْفَى بِهِ إِذْ فَصَّلَ الْمَعَانِي
وَلَمْ يُحِلْ فَهْوَ وِزَانُ "الْوَجْهِ" فِي
"أَعْجَبَ زَيْدٌ وَجْهُهُ الْبَدْرُ الْوَفِيْ"
كَذَلِكَ "ارْحَلْ لاَ تُقِيمَنْ عِنْدَنَا"
فَقَصْدُهُ إِظْهَارُ كُرْهٍ وَاعْتِنَا
وَ"لاَ تُقِمْ" أوْفَىَ بِهِ إِذْ دَلاَّ
مُطَابِقًا وَأَكَّدَ الْمَحَلاَّ
فَهْوَ وِزَانُ "الْحُسْنِ" فِي "أَعْجَبَنَا
وَجْهُ حَبِيبٍ حُسْنُهُ حِينَ دَنَا"
أَوْ كَوْنُهَا عَطْفَ بَيَانٍ لِلْخَفَا
مَعَ اقْتِضَا إِزَالَةٍ لَهُ وَفَى
كَ"وَسْوَسَ" الَّذِي تَلاَهُ "قَالَ يَا
آدَمُ" فَهْوَ قَدْ أَبَانَ الْخَافِيَا
فَهْوَ وِزَانُ "عُمَرٍ" فِيمَنْ شَعَر
"أَقْسَمَ بِاللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ"
وَشِبْهُ الاِنْقِطَاعِ كَوْنُ عَطْفِ ذِي
يُوهِمُهُ عَلَى سِوَاهَا وَخُذِ
"تَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي" الْبَيْتَ مَثَلْ،
وَسَمِّ بِالْقَطْعِ الَّذِي لِذَا انْفَصَلْ
وَشِبْهُ الاِتِّصَالِ كَوْنُهَا جَوَابْ
سُؤَالٍ الْاُولَى اقْتَضَتْهُ وَالصَّوَابْ
تَنْزِيلُهَا مَنْزِلَهُ فَتُفْصَلُ
فَصْلَ جَوَابِهِ وَقِيلَ يُجْعَلُ
مُقَدَّرًا لِنُكْتَةٍ كَالْإِغْنَا
عَنْهُ وَتَرْكُ السَّمْعِ مِنْهُ يُعْنَى
وَسَمِّهَا وَفَصْلَهَا اسْتِئْنَافَا
وَهْوَ ثَلاَثُ أَضْرُبٍ قَدْ وَافَى
إِذِ السُّؤَالُ قَدْ يَكُونُ عَنْ سَبَبْ
حُكْمٍ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا يُنْتَخَبْ
أَوْ غَيْرَ ذَيْنِ ثُمَّ مِنْهُ مَا أَتَى
بِاسْمِ الَّذِي اسْتُؤْنِفَ عَنْهُ كَ"الْفَتَى..
أَحْسِنْ إِلَيْهِ"، "أَلْفَتَى بِهِ حَرِيْ"
أَوْ وَصْفِهِ وَهْوَ أَشَدُّ فَاذْكُرِ
نَحْوُ "صَدِيقُكَ الْقَدِيمُ قَدْ أُهِلْ"
وَصَدْرُ الاِسْتِئْنَافِ رُبَّمَا خُزِلْ
أَوْ كُلُّهُ مَعْ قَائِمٍ مَقَامَهْ
أَوْ دُونَهُ، وَدَافِعٌ إِيهَامَهْ
بِوَصْلِهِ كَمِثْلِ قَوْلِ الدَّاعِ: "لاَ
وَأَيَّدَ اللهُ حِمَاكَ بِالْعُلاَ"
وَصِلْ إِذَا تَوَسُّطٌ بَيْنَهُمَا
يَكُونُ فِيهِمَا كَأَنْ تُلْفِيهِمَا
تَوَافَقَا إِنْشَاءً اوْ فَخَبَرَا
فِي لَفْظٍ اوْ مَعْنًى بِجَامِعٍ يُرَى
وَهْوَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْنَدِ
إِلَيْهِمَا وَالْمُسْنَدَيْنِ فَقَدِ
فَمِنْهُ عَقْلِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ فِي
تَصَوُّرٍ بَيْنَهُمَا إِذَا يَفِي
تَمَاثُلٌ أَوِ اتِّحَادٌ أَوْ يُرَى
تَضَايُفٌ كَأَصْغَرٍ وَأَكْبَرَا
وَإِنْ يَكُنْ بَيْنَ تَصَوُّرَيْهِمَا
شِبْهُ تَمَاثُلٍ فَلِلْوَهْمِ انْتَمَى
كَلَوْنَيِ الْبَيَاضِ وَالصُّفْرَةِ إِذْ
يُبْرِزْهُمَا كَالْمِثْلِ وَهْمٌ مَا انْتُبِذْ
كَذَا تَضَادٌ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادْ
أَوْ كَالسَّمَا وَالْأَرْضِ يُشْبِهُ التَّضَادْ
وَإِنْ يَكُنْ يَسْبِقُ فِي الْخَيَالِ
تَقَارُنٌ فَجَامِعٌ خَيَالِيْ
وَاخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ فَاخْتَلَفَتْ
صُوَرُهُ فَوَضَحَتْ أَوْ فَخَفَتْ
وَحَسَّنَ الْوَصْلَ تَنَاسُبٌ وُجِدْ
فِي اسْمِيَّةٍ وَفِي مُضِيِّهَا وَضِدْ
قُلْتُ: وَفِي الشَّرْطِيَّةِ الظَّرْفِيَّةْ
وَالْحَصْرِ وَالتَّأْكِيدِ لِلْمَزِيَّةْ
تَذْنِيبٌ
اَلْأَصْلُ فِي الْحَالِ الْمُفِيدِ نَقْلَةْ
خُلُوُّهُ فَإِنْ أَتَاكَ جُمْلَةْ
تَحْتَجْ لِمَا يَرْبِطُهَا فَإِنْ خَلَتْ
عَنْ مُضْمَرٍ فَهْيَ بِوَاوٍ قُرِنَتْ
وَكُلُّ جُمْلَةٍ تُرَى عَنْ مُضْمَرِ
مَا صَحَّ عَنْهُ نَصْبُهَا حَالاً عَرِيْ
يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَالاً عَنْهُ
بِالْوَاوِ، أَمَّا إِنْ تَكُنْ حَوَتْهُ
فَمَا عَلَى حُصُولِ وَصْفٍ مَا ثَبَتْ
مُقَارِنٍ لِمَا لَهُ قَدْ قَيَّدَتْ
دَلَّ فَضَاهَى الْمُفْرَدَ الْمُؤَصَّلاَ
فَامْنَعْ بِهَا الْوَاوَ، وَمَا لَيْسَ فَلاَ
فَأَوَّلٌ مُضَارِعٌ قَدْ أُثْبِتَا
فَالاِقْتِرَانُ إِذْ مُضَارِعًا أَتَى
وَبِالثُّبُوتِ فَالصِّفَاتُ تَحْصُلُ
وَمَا حَوَاهَا شَذَّ أَوْ مُؤَوَّلُ
وَإنْ نُفِيْ تُجُوِّزَا لِكَوْنِهِ
دَلَّ عَلَى الْقِرَانِ لاَ حُصُولِهِ
كَمُثْبَتِ الْمَاضِي فَلِلْحُصُولِ لاَ
لِلاِقْتِرَانِ وَلِذَا "قَدْ" دَخَلاَ
مُقَرِّبًا وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ
وَقَالَ : مَنْ أَوْجَبَهَا فَقَدْ غَلِطْ
وَمَا نُفِيْ فَلاَ حُصُولَ إِذْ نُفِي
وَلَكِنِ اقْتِرَانُهُ حَقًّا يَفِي
لِأَنَّ (لَمَّا) نَفْيُهَا يَسْتَغْرِقُ
وَغَيْرُهَا نَفْيٌ لِمَا قَدْ يَسْبِقُ
وَالْأَصْلُ الاِسْتِمْرَارُ فِيهِ فَإِذَا
أَطْلَقْتَهُ فَالاِقْتِرَانُ يُحْتَذَى
خِلاَفَ مُثْبَتٍ فَإِنَّ الْفِعْلاَ
بِوَضْعِهِ عَلَى الْحُدُوثِ دَلاَّ
وَإِنْ تَكُنْ إِسْمِيَّةً فَالْمُرْتَضَى
جَوَازُ تَرْكِهَا بِعَكْسِ مَا مَضَى
فِي مُثْبَتِ الْمَاضِي وَلَكِنْ رُجِّحَا
دُخُولُهَا إِذِ الثُّبُوتُ مَا انْمَحَى
مَعْ كَوْنِ الاِسْتِئْنَافِ فِيهَا قَدْ بَدَا
وَقِيلَ: أَلْزِمْ إِذْ يَكُونُ الْمُبْتَدَا
ضَمِيرَ ذِي الْحَالِ وَإِنْ يَسْبِقْ خَبَرْ
ظَرْفٌ فَحُسْنُ تَرْكِهَا قَدِ اسْتَقَرْ
كَذَا لِحَرْفٍ دَاخِلٍ فِي الْمُبْتَدَا
أَوْ تَلَتِ الْجُمْلَةُ حَالاً مُفْرَدَا
قُلْتُ: وَذَاتُ الشَّرْطِ وَاوًا تَلْزَمُ
إِذْ فَقَدَتْ مَا لاِمْتِنَاعٍ يَحْتِمُ
الْمُسَاوَاةُ وَالْإِطْنَابُ وَالْإِيجَازُ
اَلْمُفْهِمُ الْمُرَادَ مِمَّا يَقْبَلُ
إِنْ لَفْظُهُ سَاوَاهُ فَهْوَ الْأَوَّلُ
أَوْ زَادَ مَعْ فَائِدَةٍ فَالثَّانِ أَوْ
وَفَّى بِنَقْصٍ فَهْوَ الاِيجَازُ رَأَوْا
فَخَرَجَ التَّطْوِيلُ وَالْحَشْوُ بِ"مَعْ
فَائِدَةٍ "وَبِالْوَفَا الْإِخْلاَلَ دَعْ
وَمَنْ نَفَى حَدَّهُمَا أَوِ ادَّعَى
فَقْدَ الْمُسَاوَاةِ فَلَنْ يُتَّبَعَا
بِ"لاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ" مَثِّلْ أَوَّلاَ
ضَرْبَانِ لِلْإِيجَازِ قَصْرٌ قَدْ خَلاَ
مِنْ حَذْفِ شَيْءٍ آيَةُ الْقِصَاصِ
فَقَدْ حَوَتْ مَزَائِدَ اخْتِصَاصِ
عَلَى الَّذِي أَوْجَزُ مَا فِيهِ شُهِرْ
"اَلْقَتْلُ أَنْفَى" بَعْدُ "لِلْقَتْلِ" ذُكِرْ
بِقِلَّةِ الْحُرُوفِ وَالنَّصِّ عَلَى
مَطْلُوبِهِ وَالنُّكْرِ تَعْظِيمًا جَلاَ
وَبِالطِّبَاقِ وَعَنِ التَّقْدِيرِ
غِنًى وَأَنْ خَلاَ عَنْ التَّكْرِيرِ
قُلْتُ: لَقَدْ قَسَّمَ فِي التِّبْيَانِ ذَا
إِلَى ثَلاَثٍ كُلُّ قِسْمٍ يُحْتَذَى
أَنْ يُقْصَرَ اللَّفْظُ عَلَى مَعْنَاهُ
قَصْرًا يُرَى فَقْدُ الَّذِي سَاوَاهُ
وَزَائِدُ الْمَعْنَى عَلَى الْمَنْطُوقِ
إِيجَازُ تَقْدِيرٍ مَعَ التَّضْيِيقِ
وَالْجَامِعُ: اللَّفْظُ حَوَى الْمَعَانِي
كَآيَةِ الْعَدْلِ مَعَ الْإِحْسَانِ
وَالثَّانِ ذُو الْحَذْفِ فَمَا قَدْ حُذِفَا
مُضَافٌ اَوْ مَوْصُوفٌ اَوْ مَا وَصَفَا
أَوْ شَرْطٌ اوْ جَوَابُهُ خُصْرٌ عُنِيْ
أَوْ يَذْهَبُ السَّامِعُ كُلَّ مُمْكِنِ
قُلْتُ: وَمَوْصُولٌ وَوَصْلٌ وَكَذَا
جُزْآ إِضَافَةٍ وَثَانِيهَا خُذَا
وَذُو تَعَلُّقٍ مَعَ الْمَجْرُورِ
وَالْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ وَالتَّفْسِيرِ
وَالْحَالِ وَالْمُبْدَلِ وَالْمُسْتَثْنَى
وَجُزْءِ كِلْمَةٍ وَحَرْفٍ مَعْنَى
أَوْ جُمْلَةٍ مُسَبَّبًا أَوْ سَبَبَا
كَقَوْلِهِ "فَانْفَجَرَتْ" أَيْ "ضَرَبَا"
أَوْ فَوْقَهَا "فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ"
وَمِنْهُ مَا لاَ نَوْبَ عَمَّا يُحْذَفُ
وَقَدْ يُنَابُ ثُمَّ عَقْلٌ قَدْ يَدُلْ
عَلَيْهِ وَالتَّعْيِينُ مَقْصُودٌ يَحُلْ
أَوْ عَادَةٌ أَوِ اقْتِرَانٌ أَوْ شُرُوعْ
فِي الْفِعْلِ "بِسْمِ اللهِ" مَثِّلْ بِالْفُرُوعْ
وَيَرِدُ الْإِطْنَابُ بِالْإِيضَاحِ
مِنْ بَعْدِ إِبْهَامٍ لِقَصْدٍ ضَاحِي
مِثْلِ الْتِلذَاذِ كَامِلٍ بِالْعِلْمِ بِهْ
أَوْ مُكْنَةٍ فِي النَّفْسِ بَعْدَ طَلَبِهْ
وَمِنْهُ تَوْشِيعٌ: بِآخِرٍ تَرِدْ
تَثْنِيَةٌ مَضْمُونُهَا بَعْدُ فُرِدْ
وَذِكْرُ خَاصٍ بَعْدَ ذِي عُمُومِ
مُنَبِّهًا بِفَضْلِهِ الْمَعْلُومِ
كَعَطْفِ جِبْرِيلَ وَمِيكَالَ عَلَى
مَلاَئِكٍ، قُلْتُ: وَعَكْسُهُ جَلاَ
وَمِنْهُ تَكْرَارٌ لِأَجْلِ نُكْتَةِ
مِثْلِ تَأَكُّدٍ وَنَفْيِ التُّهْمَةِ
أَوْ طُوْلٍ اَوْ تَنْوِيهٍ اَوْ تَلَذُّذِ
أَوِ الْجَزَاءُ نَفْسُ شَرْطِهِ احْتُذِي
أَوْ قَصْدِ الاِسْتِيعَابِ، وَالتَّرْدِيدُ حَقْ
عُلِّقَ تَكْرِيرٌ بِغَيْرِ مَا سَبَقْ
وَمِثْلُهُ تَعَطُّفٌ لَكِنْ خُذَا
فِي فِقْرَتَيْنِ، ثُمَّ تَرْجِيعٌ شَذَا
وَمِنْهُ إِيغَالٌ كَلاَمٌ قَدْ خُتِمْ
بِمَا يُفِيدُ مَا بِدُونِهِ يَتِمْ
ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ يُخَصْ
بِالشِّعْرِ فَالْقُرْآنُ فِيهِ جَاءَ نَصْ
وَمِنْهُ تَذْيِيلٌ بِجُمْلَةٍ حَوَتْ
مُؤَكِّدًا مَعْنَى الَّتِي قَبْلُ خَلَتْ
فَمِنْهُ مَا كَمَثَلٍ وَمِنْهُ لاَ
وَأَكَّدَ الْمَنْطُوقَ وَالضِّدَّ جَلاَ
وَمِنْهُ تَكْمِيلٌ وَرُبَّمَا سُمِي
بِالاِحْتِرَاسِ أَنْ يَجِي فِي مُوهِمِ
خِلاَفَ مَقْصُودٍ بِمَا يَدْفَعُهُ
فَإِنْ لِغَيْرِ مُوهِمٍ أَتْبَعَهُ
بِفَضْلَةٍ لِنُكْتَةٍ فِيهَا تَرَاضْ
فَذَاكَ تَتْمِيمٌ وَمِنْهُ الاِعْتِرَاضْ
بِجُمْلَةٍ أَوْ فَوْقَ مَا لَهَا مَحَلْ
بَيْنَ كَلاَمٍ أَوْ كَلاَمَيْنِ اتَّصَلْ
لِنُكْتَةٍ تُقْصَدُ كَالتَّنْزِيهِ
لاَ دَفْعِ الاِيهَامِ وَكَالتَّنْبِيهِ
وَكَالدُّعَا فِي قَوْلِهِ:"بُلِّغْتَهَا"
بَعْدَ "الثَّمَانِينَ" وَمَا أَشْبَهَهَا
وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ فِي الطَّرَفِ
وَقَالَ قَوْمٌ: غَيْرَ جُمْلَةٍ يَفِي
وَقَدْ يَكُونُ مُطْنَبًا بِغَيْرِ ذَا
مِنْ جُمَلٍ وَأَحْرُفٍ لَهَا شَذَا
وَبِهِمَا كَلاَمُهُمْ مَوْصُوفُ
إِنْ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتِ الْحُرُوفُ
بِنِسْبَةٍ إِلَى كَلاَمٍ آخَرَا
سَاوَاهُ فِي الْمَعْنَى إِذَا مَا نُظِرَا
الْفَنُّ الثَّانِي : عِلْمُ الْبَيَانِ
عِلْمُ الْبَيَانِ هُوَ مَا بِهِ عُرِفْ
إِيرَادُ مَعْنًى وَاحِدٍ بِالْمُخْتَلِفْ
مِنْ طُرُقٍ فِي الاِتِّضَاحِ مُكْمَلَهْ
فَاللَّفْظُ إِنْ دَلَّ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهْ
فَسَمِّهَا دَلاَلَةً وَضْعِيَّةْ
أَوْ جُزْئِهِ أَوْ خَارِجٍ عَقْلِيَّةْ
وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْإِيرَادُ فِي
عَقْلِيَّةٍ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ يَفِي
وَمَا بِهِ أُرِيدَ لاَزِمٌ وَقَدْ
قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُرَدْ
مجازٌ اوْ لاَ فَكِنَايَةٌ وَقَدْ
يُبْنَى عَلَى التَّشْبِيهِ أَوَّلٌ وَرَدْ
التَّشْبِيهُ
هُوَ الدَّلاَلَةُ عَلَى اشْتِرَاكِ
أَمْرٍ لِآخَرَ بِمَعْنًى زَاكِ
لاَ كَاسْتِعَارَةٍ بِتَحْقِيقٍ وَلاَ
كِنَايَةٍ وَلاَ كَتَجْرِيدٍ خَلاَ
فَدَخَلَ الَّذِي أَدَاتَهُ فَقَدْ
كَقَوْلِهِ "صُمٌّ" وَنَحْوِ "ذَا أَسَدْ"
أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: أَدَاتُهُ
وَوَجْهُهُ وَالطَّرَفَانِ ذَاتُهُ
وَهَهُنَا يُنْظَرُ فِي هَذِي وَفِي
أَقْسَامِهِ وَغَرَضٍ مِنْهُ وَفِيْ
فَالطَّرَفَانِ مِنْهُ حِسِّيَّانِ
مُخْتَلِفَانِ أَوْ فَعَقْلِيَّانِ
كَالْخَدِّ وَالْوَرْدِ، وَنُورٍ وَهُدَى،
وَالسَّبْعِ وَالْمَوْتِ، وَجَهْلٍ وَرَدَى
فَكُلُّ مَا تُدْرِكُ إِحْدَى الْخَمْسِ
إِيَّاهُ أَوْ مَادَتَهُ فَالْحِسِّيْ
مِنْهُ الْخَيَالِيُّ كَتَشْبِيهِ الشَّقِيقْ
بِعَلَمِ الْيَاقُوتِ، وَالْعُودِ الرَّقِيقْ
بِالرُّمْحِ مِنْ زَبْرَجَدٍ فِي النَّظْمِ
وَغَيْرُهُ الْعَقْلِيْ وَمِنْهُ الْوَهْمِيْ
مَا لَيْسَ مُدْرَكًا وَلَوْ قَدْ أُدْرِكَا
كَانَ بِحِسٍّ لاَ سِوَاهُ مُدْرَكَا
وَمِنْهُ ذُو الْوِجْدَانِ نَحْوُ الْأَلَمِ
وَوَجْهُهُ ذُو الاِشْتِرَاكِ فَاعْلَمِ
وَلَوْ تَخَيُّلاً كَتَشْبِيهِ النُّجُمْ
بِسُنَنٍ بَيْنَ ابْتِدَاعٍ فِي الظُّلَمْ
وَوَجْهُهُ حُصُولُ شَيْءٍ أَزْهَرَا
أَبْيَضَ فِي جَنْبِ ظَلاَمٍ أَغْبَرَا
وَذَاكَ فِي السُّنَّةِ لَيْسَ يُوجَدُ
إِلاَّ عَلَى التَّخْيِيلِ فِيمَا يَرِدُ
لِأَنَّ الاِبْتِدَاعَ يَجْعَلُ الرَّدِي
كَالْمَاشِ فِي الظُّلْمَةِ لَيْسَ يَهْتَدِي
وَعَكْسُهُ السُّنَّةُ فَهْيَ وَالْهُدَى
كَالنُّورِ ثُمَّ شَاعَ هَذَا وَغَدَا
يَطْرُقُ فِي الْخَيَالِ أَنَّ الثَّانِي
مِمَّا لَهُ الْبَيَاضُ كَاللَّمْعَانِ
وَأَوَّلٌ خِلاَفُهُ فَهْوَ كَمَنْ
تَشْبِيهُهُ بِالشَّيْبِ فِي الشَّبَابِ عَنْ
مِنْ ثَمَّ وَجْهُ "النَّحْوُ فِي الْكَلاَمِ
كَالْمِلْحِ" إِذْ يَكُونُ فِي الطَّعَامِ
هُوَ الصَّلاَحُ بِالْوُجُودِ وَالْفَسَادْ
بِالْفَقْدِ لاَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعِبَادْ:
"كَوْنُ الْقَلِيلِ مُصْلِحًا وَتُفْسِدُ
كَثْرَتُهُ"فَالنَّحْوُ حَقًّا يَفْقِدُ
تَفَاوُتًا، وَالْوَجْهَ قِسْمَيْنِ اقْسِمَنْ
فَغَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الطَّرْفَيْنِ مَنْ
شَبَّهَ فِي نَوْعٍ وَجِنْسٍ مِلْحَفَهْ
بِمِثْلِهَا وَخَارِجٌ وَهْوَ صِفَةْ
مِنْهَا الْحَقِيقِيَّةُ كَالْحِسِّيَّةْ
كَيْفِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِالْجِسْمِيَّةْ
كَمُدْرَكِ الطَّرْفِ مِنَ اللَّوْنِ وَمِنْ
شَكْلٍ وَقَدْرٍ وَتَحَرُّكٍ زُكِنْ
وَالسَّمْعِ مِنْ صَوْتٍ ضَعِيفٍ أَوْ قَوِيْ
وَالذَّوْقِ مِنْ طَعْمٍ كَرِيهٍ أَوْ شَهِيْ
وَالشَّمِّ مِنْ رِيحٍ كَذَاكَ اللَّمْسِ مِنْ
حَرٍّ وَمِنْ بَرْدٍ وَيُبْسٍ وَخَشِنْ
وَنَحْوِِ ذَلِكَ وَكَالْعَقْلِيَّةْ
كَيْفِيَّةٌ مِثْلُ الذَّكَا نَفْسِيَّةْ
ثُمَّ الْإِضَافِيَّةُ كَالْإِزَالَةِ
لِلْحُجْبِ فِي الشَّمْسِ شَبِيهِ الْحُجَّةِ
وَاقْسِمْهُ وَاحِدًا مُرَكَّبًا عَدَدْ
وَكُلُّهَا حِسِّيٌّ اَوْ عَقْلِيْ وَرَدْ
فِي ثَالِثٍ مُخْتَلِفًا وَالْحِسِّيْ ثَمْ
طَرْفَاهُ حِسِّيَّانِ وَالْغَيْرُ أَعَمْ
فَكُلُّ مَا شُبِّهَ بِالْحِسِّيِّ صَحْ
بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَوَضَحْ
مُرَادُهُمْ بِالْحِسِّيْ مَا أَفْرَادُهُ
تُدْرَكُ بِالْحِسِّ وَذَا تَعْدَادُهُ
اَلْوَاحِدُ الْحِسِّيُّ حُمْرَةٌ خَفَا
وَالطِّيبُ وَاللَّذَّةُ وّاللِّينُ وَفَا
فِي الْخَدِّ بِالْوَرْدِ، وَصَوْتٍ قَدْ ضَعُفْ
بِالْهَمْسِ، وَالْعَنْبَرِ نَكْهَةٍ رُشِفْ
وَالْجِلْدِ بِالْحَرِيرِ وَالشَّيْءِ بِمَنْ
وَالْوَاحِدُ الْعَقْلِيُّ كَالْخُلُوِّ عَنْ
فَائِدَةٍ وَجُرْأَةٍ وَالاِهْتِدَا
مَعَ اسْتِطَابِ النَّفْسِ فِيمَا فَقَدَا
نَفْعًا بِمَعْدُومٍ، وَعِلْمٍ بِفَلَقْ
وَالشَّخْصِ بِالسَّبُعْ، وَعِطْرٍ بِخُلُقْ
وَذُو تَرَكُّبٍ غَدَا حِسِّيَّا
فِي مُفْرَدٍ طَرْفَاهُ كَالثُّرَيَّا
شُبِّهَ بِالْعُنْقُودِ مِنْ كَرْمٍ لِمَا
حَوَتْهُ مِنْ صُورَتِهِ إِذْ نُظِمَا
وَحَبُّهُ أًبْيَضُ وَاسْتَدَارَا
وَقَارَبَ الرُّؤْيَةَ وَالْمِقْدَارَا
وَمَا تَرَكَّبَا كَقَوْلِيْ آخُذَا
مِنْ قَوْلِ بَشَّارٍ مُمَثِّلاً لِذَا:
"وَالنَّقْعُ فَوْقَ رَأْسِنَا وَالْأَسْيُفُ
لَيْلٌ تَهَاوَى شُهْبُهُ وَتَخْطَفُ"
بِجَامِعِ السُّقُوطِ فِي أَجْرَامِ
مُشْرِقَةٍ طَوِيلَةِ الْأَجْسَامِ
تَنَاسَبَتْ أَقْدَارُهَا مُفَرَّقَةْ
فِي جَنْبِ شَيْءٍ مُظْلِمٍ مُتَّسِقَةْ
وَمَا تَخَالَفَا كَمَا الشَّقِيقُ مَرْ
وَالزُّهْرُ فِي الرُّبَى بِلَيْلٍ ذِي قَمَرْ
وَحُسْنُهُ فِي هَيْئَةٍ بِهَا تَقَعْ
حَرَكَةٌ مَعْ وَصْفٍ اَوْ جُرِّدَ مَعْ
تَحَرُّكٍ إِلَى جِهَاتٍ فَالْأُوَلْ
كَ"الشَّمْسُ كَالْمِرآةِ فِي كَفِّ الْأَشَلْ"
وَالثَّانِ كَالْبَرْقِ إِذَا بَدَا وَلاَحْ
كَمُصْحَفِ الْقَارِي انْطِبَاقًا وَانْفِتَاحْ
وَهَيْئَةُ السُّكُونِ رُبَّمَا تَلِي
"يُقْعَى جُلُوسُ الْبَدَوِيِّ الْمُصْطَلِي"
وَذُو تَرَكُّبٍ إِلَى الْعَقْلِ انْتَسَبْ
كَمِثْلِ حِرْمَانِ انْتِفَاعٍ مَعْ تَعَبْ
فِي مَثَلِ الْيَهُودِ بِالْحِمَارِ
وَالْحَمْلِ لِلتَّوْرَاةِ وَالْأَسْفَارِ
وَرَاعِ فِي تَعَدُّدٍ مَا يَحْصُلُ
بِهِ إِذَا أُسْقِطَ مِنْهُ خَلَلُ
وَذُو تَعَدُّدٍ مِنَ الْحِسِّيْ كَمَنْ
شَبَّهَ فَنًّا فِي صِفَاتِهِ بِفَنْ
وَضِدُّهُ مَنْ بِالْغُرَابِ فِي الْحَذَرْ
شَبَّهَ طَيْرًا وَالْسِّفَادِ وَالنَّظَرْ
وَالثَّالِثُ التَّشْبِيهُ لِلْإِنْسَانِ
بِالشَّمْسِ فِي الْحُسْنِ وَرَفْعِ الشَّانِ
وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ وَجْهٌ لِلشَّبِيهْ
مِنَ التَّضَادِ لاِشْتِرَاكِ الضِّدِّ فِيهْ
لِقَصْدِ تَمْلِيحٍ أَوِ التَّهَكُّمِ
كَوَصْفِهِ مُبَخَّلاً بِحَاتِمِ
فَصْلٌ [ أداة التشبيه ]
أَدَاتُهُ: (الْكَافُ) وَ(مِثْلُ) وَ(كَأَنْ)
وَالْأَصْلُ فِي (الْكَافِ) وَمَا أَشْبَهَ أَنْ
تُولَى مُشَبَّهًا بِهِ وَرُبَّمَا
تُولَى سِوَاهُ "مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَا"
قُلْتُ: وَلاَ يَكُونُ (مِثْلُ) إِلاَّ
فِي ذِي غَرَابَةٍ وَشَأْنٍ جَلاَّ
وَرُبَّمَا يُذْكَرُ فِعْلٌ يُنْبِي
عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مُرِيدَ الْقُرْبِ
"عَلِمْتُ زَيْدًا أَسَدًا" وَالْمُبْعِدُ
"حَسِبْتُهُ"، قُلْتُ: وَذَا مُنْتَقَدُ
فَصْلٌ
غَرَضُهُ يَعُودُ لِلْمُشَبَّهِ
فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ وَفِي أَغْلَبِهِ
بَيَانُ إِمْكَانٍ وَحَالٍ وَكَذَا
قَدْرٍ وَتَقْرِيرٍ لَهَا، وَكُلُّ ذَا
يَقْضِي بِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الْمُشَبَّهِ
بِهِ أَتَمُّ وَهْوَ أَشْهَرُ بِهِ
وَفِيهِ نَقْدٌ ثُمَّ لِلتَّشْوِيهِ
وَزِينَةٍ وَالظَّرْفِ كَالتَّشْبِيهِ
لِلْفَحْمِ ذِي الْجَمْرِ بِبَحْرِ مِسْكِ
وَمَوْجُهُ مِنْ ذَهَبٍ ذِي سَبْكِ
وَوَجْهُ ظَرْفٍ كَوْنُهُ يُبْرَزُ فِي
مُمْتَنِعٍ أَوْ قَلَّ فِي الذِّهْنِ يَفِي
وَلِمُشَبَّهٍ بِهِ الْغَرَضُ عَمْ
إِمَّا لِإِيهَامٍ بِأَنَّهُ أَتَمْ
وَذَاكَ فِي الْمَقْلُوبِ أَوْ لِلاِهْتِمَامْ
كَجَائِعٍ شَبَّهَ خُبْزًا بِالتَّمَامْ
إِظْهَارُ مَطْلُوبٍ وَكُلُّ ذَا إِذَا
إِلْحَاقُ نَاقِصٍ بِغَيْرٍ يُحْتَذَى
وَقَدْ يُرَادُ الْجَمْعُ لِلشَّيْئَيْنِ فِي
أَمْرٍ وَلَمْ يُنْظَرْ لِنَقْصٍ أَوْ وَفِي
فَالْأَحْسَنُ الْعُدُولُ لِلتَّشَابُهِ
وَذِكْرُهُ التَّشْبِيهَ مِنْ صَوَابِهِ
أَقْسَامُ التَّشْبِيهِ
فَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ مُفْرَدُ
بِمُفْرَدٍ كِلاَهُمَا مُقَيَّدُ
أَمْ لاَ أَوِ الْخِلاَفُ فِيهِمَا حَصَلْ
كَ"الشَّمْسُ كَالْمِرْآةِ فِي كَفِّ الْأَشَلْ"
وَذُو تَرَكُّبٍ بِهِ وَمُفْرَدِ
وَعَكْسُهُ وَالطَّرَفَيْنِ فَاعْدُدِ
بِالْمُشْبَهَاتِ فَابْدَأَنْ أَوْ لاَ، تَحِقْ
وَالْأَوَّلُ الْمَلْفُوفُ وَالثَّانِي فُرِقْ
كَ"النَّشْرُ مِسْكٌ وَالْوُجُوهُ أَنْجُمُ
والرِّيقُ خَمْرٌ وَالْبَنَانُ عَنَمُ"
وَإِنْ تُعَدِّدْ أَوَّلاً فَالتَّسْوِيَةْ
أَوْ ثَانِيًا تَشْبِيهَ جَمْعٍ سَمِّيَهْ
وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ غَدَا
مُنْتَزَعًا مِنْ عَدَدٍ وَقَيَّدَا
بِكَوْنِهِ غَيْرَ الْحَقِيقِيْ يُوسُفُ
وَغَيْرُ تَمْثِيلٍ لَهُ مُخَالِفُ
وَمُجْمَلٌ مَا وَجْهُهُ لَمْ يُذْكَرِ
فَظَاهِرٌ وَذُو خَفًا بِالنَّظَرِ
فَمِنْهُ مَا مِنْ وَصْفِ طَرْفَيْهِ عَرَى
أَوْ مُشْبَهٍ أَوْ وَصْفُ كُلٍّ ذُكِرَا
وَغَيْرُهُ مُفَصَّلٌ، وَالْمُبْتَذَلْ
فِيهِ إِلَى مُشَبَّهٍ بِهِ انْتَقَلْ
مِنْ غَيْرِ تَدْقِيقٍ وَغَيْرُهُ الْغَرِيبْ
إِذْ وَجْهُهُ فِي ظَاهِرٍ غَيْرُ قَرِيبْ
لِكَثْرَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ حُضُورِ
مُشَبَّهٍ بِهِ عَلَى نُدُورِ
لِبُعْدِ مَا نَاسَبَ أَوْ وَهْمِيَّا
يَأْتِيكَ أَوْ مُرَكَّبًا عَقْلِيَّا
كَذَا خَيَالِيًّا كَذَاكَ الْحِسِّي
تَكْرَارُهُ قَلَّ كَبَيْتِ الشَّمْسِ
وَكَثْرَةُ التَّفْصِيلِ أَنْ يَنْظُرَ فِي
أَكْثَرَ مِنْ وَصْفٍ وَأَوْجُهًا يَفِي
أَعْرَفُهَا أَخْذُكَ بَعْضًا وَتَدَعْ
بَعْضًا وَأَنْ تَعْتَبِرَ الْكُلَّ وَمَعْ
كَثْرَتِهُ فَهْوَ الْبَلِيغُ وَالْغَرِيبْ
لِبُعْدِهِ وَقَدْ يُجَاءُ فِي الْقَرِيبْ
بِنُكْتَةٍ تُغْرِبُهُ كَذِكْرِ
شَرْطٍ وَمَا مُحَسِّنٌ ذُو حَصْرِ
وَبِاعْتِبَارٍ فِي الْأَدَاةِ تُخْزَلُ
مُؤَكَّدٌ وَمَا عَدَاهُ مُرْسَلُ
وَبِاعْتِبَارِ غَرَضٍ فَإِنْ وَفَى
إِفَادَةً كَأَنْ يَكُونَ أَعْرَفَا
بِوَجْهِهِ فِي حَالِهِ الْمُشْبَهُ بِهْ
أَوْ بَالِغَ التَّمَامِ فِي ذِي سَبَبِهْ
أَوْ حُكْمُهُ لَيْسَ مُخَاطَبٌ جَحَدْ
فَذَاكَ مَقْبُولٌ وَمَا عَدَاهُ رَدْ
خَاتِمَةٌ
أَعْلاَهُ فِي الْقُوَّةِ حَذْفُ وَجْهِهِ
وَآلَةٍ أَوْ فَمَعَ الْمُشَبَّهِ
فَحَذْفُ وَجْهٍ أَوْ أَدَاةٍ هَكَذَا
وَقَدْ خَلاَ عَنْ قُوَّةٍ خِلاَفُ ذَا
الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ
اَلْأَوَّلُ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةْ
فِي الاِصْطِلاَحِ فِي الَّذِي تُوضَعُ لَهْ
وَغَيْرِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَلَى
وَجْهٍ يَصِحُّ وَإِرَادَةٍ جَلاَ
عَدَمَهَا فَهْوَ الْمَجَازُ الْمُفْرَدُ
فَالْزَمْ عَلاَقَةً وَكُلٌّ عَدَدُ
يُعْزَى لِعُرْفٍ وَلِشَرْعٍ وَلُغَةْ
وَالْعُرْفُ عَمَّ أَوْ فَخَصَّ مُبْلِغَهْ
كَدَابَةِ الْأَرْبَعِ وَالْإِنْسَانِ
وَالْفِعْلِ لِلَّفْظِ وَلِلْحِدْثَانِ
كَذَا الصَّلاَةِ لِلسُّجوُدِ وَالدُّعَا
وَأَسَدٍ لِسَبُعٍ وَالشُّجَعَا
وَمَنْ يَزِدْ "تَحْقِيقًا" اَوْ "تَأْوِيلاَ"
فِي الْحَدِّ زَادَ فِيهِمَا تَطْوِيلاَ
ثُمَّ الْمَجَازُ الْمُرْسَلُ الْعَلاَقَةُ
لاَ شَبَهٌ وَغَيْرُهُ اسْتِعَارَةُ
وَغَالِبًا تُطْلَقُ فِي اسْتِعْمَالِ سِمْ
مُشَبَّهٍ بِهِ لِمُشْبَهٍ رُسِمْ
فَالطَّرَفَانِ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ لَهْ
وَالْمُسْتَعَارُ اللَّفْظُ ثُمَّ الْمُرْسَلَةْ
كَالْيَدِ فِي الْقُدْرَةِ وَالتَّسْمِيَةِ
بِالْجُزْءِ، أَوْ بِالْكُلِّ، أَوْ بِالْآلَةِ
أَوْ سَبَبٍ، مُسَبَّبٍ، حَالٍ، مَحَلْ
مُجَاوِرٍ، آلَ لَهُ، عَنْهُ انْتَقَلْ
وَالاِسْتِعَارَةُ فَتَحْقِيقِيَّةُ
وَهْيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَثْبَتُوا
إِنْ حُقِّقَ الْمَعْنِيْ بِهَا فِي الْحِسِّ أَوْ
عَقْلٍ وَمَنْ جَعَلَهَا عَقْلاً أَبَوْا
مِنْ كَذِبٍ تُمَازُ بِالتَّأْوِيلِ ثُمْ
إِنْ لَمْ تُشَبْ وَصْفًا فَلاَ تَأْتِي عَلَمْ
وَاشْرُطْ لَهَا قَرِينَةً فَوَاحِدَا
كَ"أَسَدٍ يَرْمِي تَرَى" فَصَاعِدَا
كَ"إِنْ تَعَافُوا الْعَدْلَ وَالْإِيمَانَا
فَإِنَّ فِي أَيْمَانِنَا نِيرَانَا"
أَوْ يُسْتَدَلَّ بِمَعَانٍ تَلْتَئِمْ
وَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ تَنْقَسِمْ
إِلَى الْوِفَاقِيَّةِ أَنْ يَجْتَمِعَا
فِي مُمْكِنٍ وَذِي الْعِنَادِ امْتَنَعَا
وَمَا بِضِدٍّ وَالنَّقِيضِ اسْتُعْمِلاَ
ذَاتُ تَهَكُّمٍ وَتَمْلِيحٍ جَلاَ
وَبِاعْتِبَارِ جَامِعٍ قِسْمَيْنِ
فَدَاخِلٌ أَوْ لَيْسَ فِي الطَّرْفَيْنِ
فَإِنْ خَفَى غَرِيبَةٌ وَإِنْ بَدَا
عَامِيَّةٌ إِلاَّ بِتَصْرِيفٍ شَدَا
وَبِاعْتِبَارِ ذِي الثَّلاَثِ سِتَّةُ
أَوَّلُ هَذِي كُلُّهَا حِسِّيَّةُ
أَوْ جَامِعٌ عَقْلِيٌّ اَوْ قَدِ اخْتَلَفْ
أَوْ غَيْرُ حِسِّيْ بِفُرُوعِهِ الطَّرَفْ
كَمِثْلِ "عِجْلاً" "نَسْلَخُ" "الْمُطَّلِعَةْ
شَمْسٌ" وَ"مِنْ مَرْقَدِنَا" لِلْأَرْبَعَةْ
"فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" لِلْمُخْتَلِفِ
كَذَا "طَغَى الْمَاءُ" لِعَكْسِهِ يَفِي
وَبِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ فَاسْمُ الْجِنْسِ
أَصْلِيَّةٌ كَأَسَدٍ وَحَبْسِ
وَتَبَعِيَّةٌ سِوَاهُ فَالَّذِي
فِي الْفِعْلِ وَالْمُشْتَقِّ لِلْأَصْلِ خُذِ
وَمَا يَكُونُ شَبَهًا فِي الْحَرْفِ
فَذُو تَعَلُّقٍ بِهِ فَقُلْ فِي
"نَطَقَتِ الْحَالَةُ" لِلدَّلاَلَةْ
بِالنُّطْقِ أَوْ "نَاطِقَةٌ ذِي الْحَالَةْ"
وَالدَّوْرُ فِي قَرِينَةِ الْمَذْكُورِ
لِلْفَاعِلِ الْمَفْعُولِ وَالْمَجْرُورِ
وَبِاعْتِبَارٍ آخَرٍ مُطْلَقَةُ
إِنْ لَمْ يُقَارِنْ فَرْعٌ اَوْ فَصِفَةُ
وَإِنْ بِمَا لاَءَمَ مَا لَهُ اسْتُعِيرْ
تَجْرِيدٌ اَوْ مِنْهُ فَتَرْشِيحًا يَصِيرْ
وَرُبَّمَا يَجْتَمِعَانِ وَالْأَجَلْ
مُرَشَّحٌ ثُمَّتَ مَبْنَاهُ حَصَلْ
عَلَى تَنَاسِي شَبَهٍ فَيُدَّعَى
اَلْمَنْعُ وَاسْتِوَاءُ طَرْفَيْهِ مَعَا
أَمَّا الْمُرَكَّبُ فَمَا يُسْتَعْمَلُ
فِيمَا بِمَعْنَى الْأَصْلِ قَدْ يُمَثَّلُ
مُبَالَغًا وَسُمِّيَ التَّمْثِيلاَ
مُطْلَقًا اوْ سَالِكًا السَّبِيلاَ
فَإِنْ فَشَا كَذَاكَ الاِسْتِعْمَالُ
فَمَثَلٌ تَغْيِيرُهُ مُحَالُ
وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ فِي كِلَيْهِمَا
لِذِي تَحَقُّقٍ وَفَرْضٍ قُسِّمَا
فَصْلٌ
قَدْ يُضْمَرُ التَّشْبِيهُ فِي النَّفْسِ فَلاَ
يُذْكَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَوَاتِهِ خَلاَ
مُشَبَّهًا ثُمَّ لِهَذَا يُثْبَتُ
مَا اخْتَصَّ بِالْآخَرِ ذَا الْقَرِينَةُ
فَسَمِّ ذَا التَّشْبِيهَ بِالْمَكْنِيَّةْ
عَنْهَا وَذَا الْإِثْبَاتَ تَخْيِيلِيَّةْ
فَصْلٌ
وَالاِسْتِعَارَةُ لَدَى يُوسُفَ أَنْ
تَذْكُرَ مَا مِنْ طَرْفَيِ التَّشْبِيهِ عَنْ
مُرِيدًا الْآخَرَ بِادِّعَاءِ
دُخُولِ مَا شُبِّهَ بِاقْتِفَاءِ
فِي جِنْسِ مُشْبَهٍ بِهِ وَقَسَّمَا
إِلَى مُصَرَّحٍ وَمَكْنِيٍّ فَمَا
يُنْوَى مُشَبَّهٌ فَقَطْ مُصَرَّحَهْ
وَعَكْسُهَا الْمَكْنِيُّ قَوْلٌ رَجَّحَهْ
وَالتَّبَعِيَّةَ إِلَيْهَا رَدَّا
وَشَيْخُنَا يَقُولُ:عَكْسٌ أَجْدَى
وَفِي الْحَقِيقِيَّةِ تَمْثِيلٌ دَخَلْ
لَدَيْهِ وَالتَّخْيِيلَ عَكْسَهُ جَعَلْ
فَصْلٌ
اَلْحُسْنُ فِي اسْتِعَارَةِ التَّخْيِيلِ
بِحَسَبِ الْمَكْنِيِّ، وَالتَّمْثِيلِ
وَذِي الْكِنَايَةِ وَذِي التَّحْقِيقِ أَنْ
يَرْعَى الَّذِي فِي وَجْهِ تَشْبِيهٍ زُكِنْ
وَلاَ يُشَمَّ رِيحُهُ لَفْظًا وَأَنْ
يَجْلُوْ وَلاَ يَكُونُ كَالْإِلْغَازِ عَنْ
فَلاَ يُقَالُ "أَسَدٌ" لِأَبْخَرَا
وَإِنْ قَوِيْ التَّشْبِيهُ حَتَّى صَيَّرَا
طَرْفَيْهِ كَالْوَاحِدِ مِثْلُ الْعِلْمِ
وَالنُّورِ فَاسْتِعَارَةٌ ذُو حَتْمِ
خَاتِمَةٌ
قَدْ يُطْلَقُ الْمَجَازُ فِيمَا غُيِّرَا
إِعْرَابُهُ بِزَيْدٍ اَوْ حَذْفٍٍ عَرَا
"لَيْسَ كَمِثْلِهِ" يُرِيدُ الْمِثْلاَ
وَكَ"اسْأَلِ الْقَرْيَةَ" يَعْنِي الْأَهْلاَ
الْكِنَايَةُ
لَفْظٌ أُرِيدَ لاَزِمٌ مَعْنَاهُ مَعْ
جَوَازِ أَنْ يُقْصَدَ مَعْنَاهُ تَبَعْ
وَمِنْ هُنَا تُخَالِفُ الْمَجَازَا
أَقْسَامُهَا ثَلاَثَة ٌمَا انْحَازَا
بِهَا سِوَى نِسْبَةٍ اَوْ وَصْفٍ وَذَا
يَكُونُ مَعْنًى أَوْ مَعَانٍ تُحْتَذَى
شَرْطُهُمَا التَّخْصِيصُ بِالَّذِي كُنِي
عَنْهُ وَمَا يُطْلَبْ بِهَا الْوَصْفُ إِنِ
تَنْقُلْ بِلاَ وَاسِطَةٍ قَرِيبَةُ
وَهَذِهِ وَاضِحَةٌ خَفِيَّةُ
"طُولُ النَّجَادِ" عَنْ طَوِيلِ الْقَامَةِ
وَ"ذُو الْقَفَا الْعَرِيضِ" عَنْ بَلاَدَةِ
وَشِيبَتِ التَّصْرِيحَ مَا مِنْهَا حَوَتْ
مُضْمَرَهُ سَاذِجَةٌ مَا قَدْ خَلَتْ
أَوْ بِوَسَاطَةٍ فَذُو الْإِبْعَادِ
كَلِلْكَرِيمِ "مُكْثِرُ الرَّمَادِ"
فَلِلْوَقُودِ فَالطَّبِيخِ يُنْتَقَلْ
فَكَثْرَةِ الْآكِلِ فَالضَّيْفِ وُصِلْ
وَمَا غَدَا النِّسْبَةُ مِنْ مَطْلُوبِهِ
كَ"الْمَجْدُ فِي بُرْدَيْهِ" أَوْ "فِي ثَوْبِهِ"
إِذْ لَمْ يُصَرِّحْ بِثُبُوتِ ذَاكَ لَهْ
بَلْ فِي الَّذِي احْتَوَى عَلَيْهِ جَعَلَهْ
وَرُبَّمَا فِي ذَيْنِ يُحْذَفُ الَّذِي
يُوصَفُ مِثْلُ مَا تَقُولُ لِلْبَذِي:
"مَنْ سَلِمَ الْأَنَامُ مِنْ لِسَانِهِ
وَيَدِهِ فَمُسْلِمٌ لِشَانِهِ"
قُلْتُ: وَقَدْ يُرَادُ هَذَانِ مَعَا
فَهْوَ كِنَايَتَانِ فِيهِ وَقَعَا
وَيُوسُفٌ قَسَّمَ ذَا الْبَابَ إِلَى
رَمْزٍ وَتَعْرِيضٍ وَتَلْوِيحٍ تَلاَ
إِشَارَةٌ إِيمَاءُ فَالَّذِي حُذِفْ
مَوْصُوفُهُ نَاسَبَ تَعْرِيضًا عُرِفْ
وَوَجْهُهُ التَّنْوِيهُ وَالتَّلَطُّفُ
أًوْ يَتْرُكُ الْإِغْلاَظَ أَوْ يَسْتَعْطِفُ
وَمِنْهُ مَا يُرَادُ مَعْنَاهُ مَعَهْ
وَمِنْهُ لاَ حَرَّرَهُ مَنْ جَمَعَهْ
إِنْ كَثُرَتْ وَسَائِطٌ فَرُصِفَا
مُلَوِّحًا وَإِنْ تَقِلَّ مَعْ خَفَا
رَمْزٌ وَإِلاَّ فَالْأَخِيرَانِ وَقَدْ
مَجَازًا التَّعْرِيضُ فِي بَعْضٍ وَرَدْ
كَقَوْلِهِ: "آذَيْتَنِي سَتَعْرِفُ"
يُرِيدُ مَنْ لاَ بِالْخِطَابِ يُوصَفُ
وَإِنْ يُرِدْ بِذَاكَ كُلاًّ مِنْهُمَا
كِنَايَةٌ وَاشْرُطْ دَلِيلاً لَهُمَا
وَكَوْنُ هَذِي وَالْمَجَازِ أَبْلَغَا
مِنْ ضِدِّ هَذَيْنِ اتِّفَاقُ الْبُلَغَا
وَالاِسْتِعَارَةِ مِنَ التَّشْبِيهِ
إِذْ قُوَّةُ الْمَجَازِ لاَ تَلِيهِ
قُلْتُ: وَذُو التَّمْثِيلِ بِاسْتِعَارَةِ
أَبْلَغُ مِنْهُ لاَ بِالاِسْتِعَارَةِ
وَأَبْلَغُ الْأَنْوَاعِ تَمْثِيلِيَّةْ
مَكْنِيَّةٌ بَعْدُ فَتَصْرِيحِيَّةْ
وَبَعْدَهَا كِنَايَةٌ وَقَدْ عَلاَ
ذُو نِسْبَةٍ فَصِفَةٍ فَمَا خَلاَ
وَهَذِهِ الثَّلاَثُ مِنْ قِسْمِ الْخَبَرْ
الْخُلْفُ فِي إِنْشَاءِ ذِي التَّشْبِيهِ قَرْ
عِلْمُ الْبَدِيعِ
عِلْمُ الْبَدِيعِ مَا بِهِ قَدْ عُرِفَا
وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلاَمِ إِنْ وَفَى
مُطَابِقًا وَقَصْدُهُ جَلِيُّ
فَمِنْهُ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيُّ
الْقِسْمُ الأوَّل:الْمَعْنَوِيُّ
مِنْهُ الطِّبَاقُ بِالتَّضَادِ مَاثِلِ
اَلْجَمْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ذِي تَقَابُلِ
فِي جُمْلَةٍ مِنْ نَوْعٍ اَوْ نَوْعَيْنِ
اِسْمَيْنِ أَوْ فِعْلَيْنِ أَوْ حَرْفَيْنِ
كَمِثْلِ "أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودُ"
"يُحْيِي يُمِيتُ" وَلَهُ تَعْدِيدُ
طِبَاقُ مَنْفِيٍّ طِبَاقٌ مُوجَبِ
كَ"اخْشَ" وَ"لاَ تَخْشَ" وَذِي تَسَبُّبِ
قُلْتُ: وَقِيلَ: الشَّرْطُ فِي الطِّبَاقِ
أَنْ يَأْتِيَ اللَّفْظَانِ بِالْوِفَاقِ
وَإِنَّمَا يَحْسُنُ مَعْ مَزِيدِ
وَلَهُمُو تَطَابُقُ التَّرْدِيدِ
وَمِنْهُ تَدْبِيجٌ بِأَلْوَانٍ تَرِدْ
مَكْنِيًّا اَوْ تَوْرِيَةً لِمَا قُصِدْ
وَمِنْهُ نَوْعٌ سُمِّيَ الْمُقَابَلَةْ
وَهْيَ مَجِيءُ أَحْرُفٍ مُقَابِلَهْ
تُرَتِّبُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَائِلِ
كَمِثْلِ قَوْلِي فِي خِطَابِ الْعَاذِلِ:
"اُعْفُفْ وَذُمْ وَصِلْ وَعِزِّ وَافِقِ
أَوْ خُنْ وَزَكِّ اقْطَعْ وَهُنْ وَشَاقِقِ"
وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: مَهْمَا شُرِطَا
فِي أَوَّلٍ فَالضِّدَّ فِي الثَّانِي اشْرُطَا
قُلْتُ: وَذَا الْمِثَالُ بِالْمُفَوَّفِ
يُسْمَى وَمِنْ أَنْوَاعِهِ عَدَّ الصَّفِيْ
ثُمَّ مُرَاعَاةُ النَّظِيرِ جَمْعُ
أَمْرٍ وَمَا نَاسَبَهُ وَيَدْعُو
تَنَاسُبًا فَإِنْ مُنَاسِبٌ خَتَمْ
مُبْتَدَأً تَشَابُهَ الْأَطْرَافِ سَمْ
وَمِنْهُ الاِرْصَادُ وَذَا أَنْ تَجْعَلاَ
مِنْ قَبْلِ عَجْزِ الْبَيْتِ مَا دَلَّ عَلَى
تَمَامِهِ إِذَا الرَّوِيُّ عُرِفَا
وَبَعْضٌ التَّسْهِيمَ هَذَا وَصَفَا
قُلْتُ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ دَلْ
فَإِنْ يَكُ الْمَعْنَى فَتَوْشِيحٌ أَجَلْ
وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ الْمُشَاكَلَةْ:
أَنْ يُذْكَرَ الشَّيْءُ بِلَفْظٍ لَيْسَ لَهْ
لِكَوْنِهِ صُحْبَتَهُ تَحْقِيقًا اَوْ
مُقَدَّرًا "وَمَكَرَ اللهُ" تَلَوْا
وَقَوْلُهُ: "قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ
قُلْتُ اطْبُخُوا لِيْ جُبَّةً" بَيْتٌ عُهِدْ
ثُمَّ الْمُزَاوَجَةُ أَنْ زَاوَجَ فِي
اَلشَّرْطِ وَالْجَزَا لِمَعْنًى قَدْ يَفِي
وَالْعَكْسُ تَأْخِيرُ الَّذِي قُدِّمَ فِي
أَحَدِ طَرْفَيْ جُمْلَةٍ إِنْ تُضِفِ
أَوْ جُمْلَتَيْنِ اسْمِيَّتَيْنِ أَوْ جَلاَ
فِعْلِيَّتَيْنِ وَالرُّجُوعُ أَنْ عَلَى
كَلاَمِهِ السَّابِقِ قَدْ يَعُودُ
بِنَقْضِهِ لِنُكْتَةٍ يُرِيدُ
قُلْتُ: وَمِنْهُ السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ إِنْ
مِنْ جِهَتَيْنِ اشْتَمَلاَهُ حَيْثُ عَنْ
وَمِنْهُ مَدْحُ الشَّيْءِ ثُمَّ ذَمُّهُ
أَوْ عَكْسُهُ تَغَايُرٌ يَعُمُّهُ
وَمِنْهُ الاِيهَامُ وَيُدْعَى التَّوْرِيَةْ
وَفَضَّلُوا ذَا النَّوْعَ ثُمَّ تَالِيَهْ
إِطْلاَقُ لَفْظِ شِرْكَةٍ وَيُقْصَدُ
بَعِيدُهُ فَتَارَةً يُجَرَّدُ
مِمَّا يُلاَئِمُ الْقَرِيبَ كَ"اسْتَوَى"
ثُمَّ الْمُرَشَّحُ الَّذِي لَهُ حَوَى
قُلْتُ: لَقَدْ قَصَّرَ فِي بَيَانِهَا
فَلَيْسَ فِي الْبَدِيعِ مِثْلُ شَانِهَا
فَكُلُّ مَا بِلاَزِمٍ لَمْ يَقْتَرِنْ
لاَ لِقَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ قَدْ زُكِنْ
فَهْيَ الَّتِي تَجَرَّدَتْ وَأُلْحِقَا
مَا اللاَّزِمَانِ اسْتَوَيَا وَاتَّفَقَا
وَسَمِّ مَا يُلاَزِمُ الَّذِي دَنَا
مُرَشَّحًا وَضِدَّهُ مُبَيَّنَا
كِلاَهُمَا مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ ذُكِرْ
ثُمَّ الْمُهَيَّأَةُ مَا لاَ تَسْتَقِرْ
إِلاَّ بِلَفْظٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا
أَوْ لَفْظَتَيْنِ فَقْدُ لَفْظٍ فَقْدُهَا
وَاعْدُدْ هُنَا التَّرْشِيحَ وَالتَّوْهِيمَا
وَافْرُقْ بِذِهْنٍ قَدْ صَفَا تَقْوِيمَا
وَمِنْهُ الاِسْتِخْدَامُ أَنْ يُرَادَا
بِكِلْمَةٍ بَعْضُ الَّذِي أَفَادَا
ثُمَّ بِمُضْمَرٍ لَهَا الْبَوَاقِي
أَوْ أَوَّلٌ بِمُضْمَرٍ وَالْبَاقِي
بِآخَرٍ كَ"جَلَّ عَيْنًا أَحْمَدُ
أَخْجَلَهَا وَهَّابُهَا الْمُعْتَمِدُ"
وَمِنْهُ الاِرْدَافُ بِأَنْ يُذْكَرَ مَا
يُرَادِفُ الْمَقْصُودَ لاَ مَا لَزِمَا
فَإِنْ أَتَى بِمَا يَكُونُ أَبْعَدَا
فَذَلِكَ التَّمْثِيلُ إِذْ مَا قُصِدَا
وَاللَّفُ وَالنَّشْرُ بِأَنْ تُعَدِّدَا
لَفْظًا وَبَعْدُ مَا لِكُلٍّ عُدِّدَا
وَلَمْ يُعَيَّنْ مَا لَهُ تَوْكِيلاَ
لِسَامِعٍ مُجْمَلاً اَوْ تَفْصِيلاَ
مُرَتَّبًا أَوْ غَيْرَهُ مَعْكُوسًا اَوْ
مُشَوَّشًا وَفِيهِ رَابِعًا حَكَوْا
وَالْخُلْفُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذَيْنِ قَرْ
وَقِيلَ: لاَ خُلْفَ بِتَحْرِيرِ النَّظَرْ
وَالْجَمْعُ أَنْ يُجْمَعَ فِي حُكْمِ عَدَدْ
كَقَوْلِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ إِذْ زَهَدْ:
"إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَةْ
مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ"
وَعَكْسُهُ التَّفْرِيقُ أَنْ يُبَايَنَا
بَيْنَهُمَا فِي مَدْحٍ اَوْ أَمْرٍ عَنَى
فَإِنْ يُعَدِّدْ وَأَضَافَ مَا لِكُلْ
إِلَيْهِ تَعْيِينًا فَتَقْسِيمٌ يَحُلْ
وَإِنْ هُمَا أَدْخَلَ فِي مَعْنًى وَقَدْ
فَرَّقَ وَجْهَيْ ذَاكَ أَوْ يَجْمَعْ عَدَدْ
حُكْمٌ وَتَقْسِيمٌ تَلاَ أَوْ عَكْسُ ذَا
كِلاَهُمَا جَمْعٌ وَأَوَّلٌ خُذَا
إِلَيْهِ تَفْرِيقًا وَذَا تَقْسِيمَا
وَقَدْ تَجِي ثَلاَثَةٌ تَضْمِيمَا
كَ"يَوْمَ يَأْتِ" بَعْدُ "لاَ تَكَلَّمُ"
لِآخِرِ الْقِصَّةِ فَهْيَ تُنْظَمُ
وَيُطْلَقُ التَّقْسِيمُ إِذْ مَا اسْتَوْفَى
أَقْسَامَهُ أَوْ حَالَهُ مُضِيفَا
كُلاًّ إِلَى مُلاَئِمٍ نَحْوُ "يَهَبْ"
آيَةَ شُورَى وَ"ثِقَالُ" الْبَيْتَ هَبْ
وَمِنْهُ تَجْرِيدٌ بِأَنْ يُنْزَعَ مِنْ
ذِي صِفَةٍ آخَرُ مِثْلُهُ زُكِنْ
مُبَالَغًا فِي أَنَّهُ فِيهَا كَمَلْ
كَ"مِنْ فُلاَنٍ لِي صَدِيقٌ وَأَجَلْ"
وَ"إِنْ سَأَلْتَ أَحْمَدًا لَتَسْأَلَنْ
بَحْرًا بِهِ مُنْدَفِقًا" وَمِنْهُ أَنْ
يُخَاطِبَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَقَدْ
نُصْحًا وَتَوْبِيخًا وَتَعْرِيضًا قَصَدْ
وَأَبْلَغُ الْأَقْسَامِ مَا قَدْ ثُنِّيَا
ثُمَّ الْمُبَالَغَةُ أَنْ يَدَّعِيَا
بُلُوغَهُ فِي الضَّعْفِ أَوْ فِي الشِّدَّةِ
حَدًّا مُحَالاً أَوْ بَعِيدَ الرُّتْبَةِ
فَإِنْ يَكُنْ عَقْلاً وَعَادَةً وَرَدْ
يُمْكِنُ فَالتَّبْلِيغُ أَوْ فِي الْعَقْلِ قَدْ
فَذَاكَ إِغْرَاقٌ كِلاَهُمَا قُبِلْ
أَوْ لاَ وَلاَ فَهْوَ غُلُوٌّ مَا احْتُمِلْ
مَا لَمْ يُقَرِّبْهُ لِذَاكَ شَيْءُ
نَحْوُ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ
أَوْ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ تَخَيُّلٍ حَسَنْ
أَوْ مَخْرَجُ الْهَزْلِ مِنَ الشَّاعِرِ عَنْ
قُلْتُ: وَبَعْضٌ وَهَّنَ الْمُبَالَغَةْ
أَصْلاً وَبَعْضٌ فِي السُّمُوِّ نَابِغَةْ
وَضِدُّهَا التَّفْرِيطُ عَدَّ الْيَمَنِيْ
وَمَا رَأَيْتُ غَيْرَهُ بِمُعْتَنِي
وَجَعْلُهُ لِلنَّوْعِ جِنْسًا عَظُمَا
إِلْحَاقُ جُزْئِيٍّ بِكُلِّيٍّ نَمَى
ثُمَّتَ مِنْهُ الْمَذْهَبُ الْكَلاَمِي
إِيرَادُهُ الْحُجَّةَ لِلْمَرَامِ
عَلَى طَرِيقِهِمْ كَقَوْلِهِ عَلاَ:
"لَوْ كَانَ فِيهِمَا" وَمَا لَهُ تَلاَ
وَمِنْهُ تَفْرِيعٌ وَذَا أَنْ يُثْبَتَا
لِمُتَعَلِّقٍ لَهُ مَا أُثْبِتَا
لِآخَرٍ لَهُ فَإِنْ بِ(مَا) نَفَى
أَوْ (لاَ) عَنِ الَّذِي بِشَيْءٍ وُصِفَا
أَفْعَلَ لِلْوَصْفِ مُنَاسِبًا وَقَدْ
عُدِّيْ بِ(مِنْ) إِلَى الَّذِي ذَاكَ قَصَدْ
فَذَاكَ بِالتَّفْضِيلِ حَقًّا دُعِيَا
وَالْحُسْنُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَدَّعِيَا
لِلْوَصْفِ عِلَّةً لَهُ تُنَاسِبُ
بِلُطْفِ مَعْنًى لاَ حَقِيقِيْ تَصْحَبُ
فَتَارَةً يَكُونُ ثَابِتًا قُصِدْ
عِلَّتُهُ وَذَاكَ ضَرْبَيْنِ عُهِدْ
مَا لَمْ تَبِنْ عِلَّتُهُ فِي الْعَادَةِ
أَوْ عِلَّةٌ خِلاَفُ ذِي قَدْ بَانَتِ
وَمَا قُصِدْ ثُبُوتُهُ مِنْ مُمْكِنِ
أَوْ غَيْرِهِ وَمَا عَلَى الشَّكِّ بُنِي
وَمِنْهُ تَأْكِيدُكَ لِلْمَدْحِ بِمَا
يُشْبِهُ ذَمًّا وَثَلاَثًا قُسِّمَا
اَلْأَفْضَلُ اسْتِثْنَاءُ وَصْفِ فَضْلِ
مِنْ وَصْفِ ذَمٍّ قَدْ نُفِيْ مِنْ قَبْلِ
مُقَدَّرًا دُخُولُهُ فِيهِ كَ"لاَ
عَيْبَ لَهُ إِلاَّ ارْتِقَاهُ لِلْعُلاَ"
وَمِنْهُ الاِسْتِثْنَاءُ قَبْلَ وَصْفِ
مَدْحٍ يَلِي وَصْفًا لَهُ لاَ يَنْفِي
وَمِنْهُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مُعَرِّفَا
عَامِلُهُ لِلذَّمِّ مَعْنًى قَدْ وَفَى
وَمَا بِهِ اسْتُثْنِيَ يَحْوِي الْفَضْلاَ
نَحْوُ "وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ"
ثُمَّتَ الاِسْتِدْرَاكُ فِي ذَا الْبَابِ
كَمِثْلِ الاِسْتِثْنَاءِ بِاقْتِرَابِ
وَعَكْسُهُ ضَرْبَانِ أَنْ يُسْتَثْنَى
مِنْ نَفْيِ وَصْفِ الْمَدْحِ ذَمٌّ يُعْنَى
أَنْ دَخَلَتْ كَمِثْلِ "مَا فِيهِ هُدَى
إِلاَّ عَمَى عَنِ الطَّرِيقِ الْمُقْتَدَى"
وَأَنْ يَجِيءَ تِلْوَ وَصْفِ ذَمِّ
كَ"جَاهِلٌ لَكِنَّهُ ذُو ظُلْمِ"
وَزِيدَ بَعْدَ الذَّمِّ وَصْفٌ يُوهِمُ
زَوَالَهُ ثُمَّ لِذَمٍّ يُفْهِمُ
وَمِنْهُ الاِسْتِتْبَاعُ مَدْحٌ بِاللَّذَا
يَسْتَتْبِعُ الْمَدْحَ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَا
وَإِنْ يُضَمَّنْ فِيهِ مَعْنًى وَهْوَ لَمْ
يُسَقْ لَهُ فَذَاكَ إِدْمَاجٌ أَعَمْ
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ الْوَصْفُ بِنَصْ
يُفْهِمُ وَصْفًا لِلَّذِي الْأَوَّلَ خَصْ
وَمِنْهُ تِوْجِيهٌ بِأَنْ يُوَافِيْ
مُحْتَمِلاً وَجْهَيْنِ بِاخْتِلاَفِ
كَقَوْلِ مَنْ قَالَ لِأَعْوَرَ: "أَلاَ
يَا لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءٌ جُعِلاَ"
قُلْتُ: الصَّفِيُّ فَسَّرَ التَّوْجِيهَ أَنْ
يَأْتِيْ بِأَلْفَاظٍ شَهِيرَةٍ بِفَنْ
يُورِدُهَا لِغَيْرِ مَا لَهُ اشْتَهَرْ
كَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَكَالْجَزْمِ وَجَرْ
نَحْوُ "ارْتِفَاعٌ فِي مَحَلِّهِ"، "وَجَبْ
مِنْ أَمْرِهِ جَزْمٌ" ، وَ"لِلْحُكْمِ انْتَصَبْ"
وَجَعَلَ السَّابِقَ مِنْ تَفْسِيرِهِ
تَفْسِيرَ الِابْهَامِ كَذَا لِغَيْرِهِ
وَقَالَ:نَحْوُ ذَلِكَ الْمُوَارَبَةْ
لَكِنَّهُ يَأْتِي لِمَنْ قَدْ عَاتَبهْ
بِمَخْلَصٍ وَلاَ يَجِي فِي الاِبْتِدَا
بِهِ كَذَاكَ غَيْرُهُ قَدْ أَوْرَدَا
كَقَوْلِهِ: "قَدْ ضَاعَ شِعْرِيْ"،لَمَّا
أُوخِذَ "بَلْ: (قَدْ ضَاءَ) صُغْتُ النَّظْمَا"
وَالْهَزْلُ ذُو الْجِدِّ فَقُلْ لِمَنْ أَتَى
مُبَاحِثًا:"كَيْفَ تَهَجَّى (بَا) وَ(تَا)؟"
قُلْتُ: وَمِنْهُ يَقْرُبُ التَّهَكُّمُ
وَالْهَجْوُ فِي مَعْرِضِ مَدْحٍ نَظَمُوا
وَإِنْ خَلاَ الْهَجْوُ عَنِ الْفَحَاشَةِ
وَنَحْوِهَا فَسَمِّ بِالنَّزَاهَةِ
تَجَاهُلُ الْعَارِفِ: سَوْقُ مَا عُلِمْ
مَسَاقَ غَيْرِهِ لِنُكْتَةٍ تَتِمْ
مِثْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ الْبَهِيْ
وَالذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّدَلُّهِ
كَ"مَعْشَرَ الظِّبَاءِ يَا حُورَ النَّظَرْ
أَمِنْكُمُو سُعَادُ أَمْ مِنَ الْبَشَرْ"
اَلْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ أَنْ يَأْتِيْ إِلَى
وَصْفٍ بِقَوْلِ غَيْرِهِ أُطْلِقْ عَلَى
شَيْءٍ لَهُ أُثْبِتَ حُكْمٌ يُثْبِتُ
هَذَا لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يَسْكُتُ
عَنْ نَفْيِهِ عَنْهُ أَوِ الثُّبُوتِ لَهْ
وَمِنْهُ لَفْظٌ فِي كَلاَمٍ حَمَلَهْ
عَلَى خِلاَفِ قَصْدِهِ مِمَّا احْتَمَلْ
بِذِكْرِ ذِي تَعَلُّقٍ لَهُ حَصَلْ
كَقَوْلِهِ: "سَلَوْتَ يَا هَذَا عَنِي"
فَقُلْ لَهُ: "عَنْ صُحْبَتِيْ وَوَطَنِيْ"
قُلْتُ:وَمِنْهُ يَقْرُبُ التَّسْلِيمُ أَنْ
يُسَلِّمَ الْفَرْضَ الْمُحَالَ ثُمَّ عَنْ
لاَزِمِهِ يَصُدُّ إِذْ قَدْ وُجِدَا
مَا مَنَعَ اتِّبَاعَهُ وَيُورِدَا
وَإِنْ عَلَى الْمُمْكِنِ مَعْ مَا نَاقَضَهْ
مُرِيدَهُ عَلَّقَ فَالْمُنَاقَضَةْ
كَذَاكَ الاِسْتِدْرَاكُ وَالْإِسْتِثْنَا
حَيْثُ أَفَادَا بَهْجَةً وَحُسْنَا
اَلاِطِّرَادُ ذِكْرُكَ اسْمَ مَنْ عَلاَ
وَأَبِهِ وَجَدِّهِ عَلَى الْوِلاَ
بِلاَ تَكَلُّفٍ عَلَى وَجْهٍ جَلِيْ
مِثْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيْ
قُلْتُ: وَمِنْهُ الاِحْتِبَاكُ يُخْتَصَرْ
مِنْ شِقَّيِ الْجُمْلَةِ ضِدُّ مَا ذُكِرْ
وَهْوَ لَطِيفٌ رَاقَ لِلْمُقْتَبِسِ
بَيَّنَهُ ابْنُ يُوسُفَ الْأَنْدَلُسِيْ
وَالطَّرْدُ وَالْعَكْسُ قَرِيبٌ مِنْهُ
حَرَّرَهُ الطِّيبِيُّ فَابْحَثْ عَنْهُ
يُقَرِّرُ الْأَوَّلُ بِالْمَنْطُوقِ ذَا
مَفْهُومَ تَالِيهِ وَبِالْعَكْسِ خُذَا
وَمِنْهُ نَفْيُ الشَّيْءِ بِالْإِيجَابِ
نَفْيُ الثُّبُوتِ بِانْتِفَا الْأَسْبَابِ
وَإِنْ أَتَى فِي الْبَيْتِ وَعْظٌ لاَمِعُ
أَوْ حِكْمَةٌ فَهْوَ الْكَلاَمُ الْجَامِعُ
حِكَايَةُ التَّحَاوُرِ الْمُرَاجَعَةْ
تَرْتِيبُهُ أَوْصَافَهُ الْمُتَابَعَةْ
ثُمَّ التَّرَقِّي وَهْوَ ذِكْرُ الْمَعْنَى
فَفَوْقَهُ ثُمَّ التَّدَلِّي يُعْنَى
وَمِنْهُ الاِسْتِطْرَادُ أَنْ يَنْتَقِلاَ
مِنْ غَرَضٍ لِآخَرٍ قَدْ شَاكَلاَ
وَالاِفْتِنَانُ الْجَمْعُ لِلْفَنَّيْنِ
كَالْمَدْحِ وَالْهَجْوِ وَنَحْوِ ذَيْنِ
وَالاِشْتِقَاقُ أَخْذُ مَعْنًى مِنْ عَلَمْ
فَإِنْ يُطَابِقْ فَبِالاِتِّفَاقِ سَمْ
وَمِنْهُ الاِلْغَازُ وَنَوْعُ الْقَسَمِ
وَالاِكْتِفَاءُ حَذْفُ بَعْضِ الْكَلِمِ
وَخَيْرُهُ عِنْدِيَ مَا فِيهِ وَفَتْ
تَوْرِيَةٌ عَنِ اكْتِفَاءٍ صَرَفَتْ
وَجَمْعُهُ مُؤْتَلِفًا وَمُخْتَلِفْ
وَالاِتِّسَاعُ شَامِلٌ لِمَا عُرِفْ
وَإِنْ يِكُنْ فِي اللَّفْظِ لَبْسٌ فَيَفِي
تَفْسِيرُهُ فَذَاكَ تَفْسِيرُ الْخَفِيْ
وَإِنْ يُزِلْ لَبْسًا عَنِ الإِبْهَامِ
فَذَاكَ إِيضَاحٌ بِلاَ إِبْهَامِ
وَإِنْ أَتَى مُشْتَرَكٌ يُبَادِرُ
غَيْرُ الْمُرَادِ فَاشْتِرَاكٌ صَادِرُ
حُسْنَ الْبَيَانِ زَادَ فِي الْمِصْبَاحِ
وَرَدَّهُ الْجَلاَلُ فِي الْإِيضَاحِ
وَقَدْ وَجَدْتُ مَقْصِدًا بَدِيعَا
سَمَّيْتُهُ التَّأْسِيسَ وَالتَّفْرِيعَا
قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ يُمْهِدُهَا
يَبْنِي عَلَيْهَا شُعْبَةً يَقْصِدُهَا
مِثَالُهُ: لكلِّ دِينٍ خُلُقُ
وَخُلْقُ ذَا الدِّينِ الْحَيَاءُ الْمُونِقُ
وَالنَّفْيُ لِلْمَوْضُوعِ قَصْدًا صَنَعَهْ
مثِاَلُهُ: لَيْسَ الشَّدِيدُ الصُّرَعَةْ
وَإِنْ أَتَى بِجُمَلٍ لِلْمَقْصِدِ
تَوَصُّلاً لِحُكْمِ مَا بِهِ ابْتُدِيْ
وَصَحَّ حَذْفُ الْوَسَطِ الْمَوْصُولِ
فَذَلِكَ التَّمْهِيدُ لِلدَّلِيلِ
وَمِنْهُ تَصْحِيفٌ بِأَنْ يُعْتَمَدَا
بِهِ وَبِالتَّصْحِيفِ أَمْرٌ قُصِدَا
الْقِسْمُ الثَّانِي: اللَّفْظِيُّ
مِنْهُ الْجِنَاسُ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِأَنْ
تَشَابَهَا فَإِنْ يَكُ الْوِفَاقُ عَنْ
فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْأَنْوَاعِ ثُمْ
تَرْتِيبِهَا وَهَيْئَةٍ فَالتَّامَ سَمْ
فَإِنْ يَكُنْ نَوْعًا فَذَا مُمَاثِلْ
أَوْ لاَ فَمُسْتَوْفًى كَ"قَابِلْ قَابِلْ"
فَإِنْ يَكُنْ مُرَكَّبًا إِحْدَاهُمَا
جِنَاسُ تَرْكِيبٍ وَإِنْ تَسَاهَمَا
خَطًّا فَذُو تَشَابُهٍ وَإِلاَّ
فَذَاكَ مَفْرُوقٌ وَإِنْ تَجَلَّى
مِنْ كِلْمَةٍ وَجُزْئِهَا فَالْمَرْفُو
أَوْ رُكِّبَا مُلَفَّقٌ وَالْخُلْفُ
فِي النَّقْطِ إِذْ يُوجَدُ فَالْمُصَحَّفُ
أَوْ حَرَكَاتٍ فَهُوَ الْمُحَرَّفُ
أَوْ عَدَدٍ فَنَاقِصٌ بِحَرْفِ
فِي أَوَّلٍ أَوْ وَسَطٍ أَوْ طَرْفِ
مُطَرَّفٌ مُكْتَنَفٌ مَرْدُوفُ
مُذَيَّلٌ إِنْ زِيدَتِ الْحُرُوفُ
أَوْ نَوْعِ حَرْفٍ لَمْ يَكُنْ بِأَكْثَرِ
مِنْ وَاحِدٍ فِي أَوَّلٍ أََوْ آخِرِ
أَوْ وَسَطٍ ثُمَّ إِذَا تَقَارَبَا
مُضَارِعٌ وَلاَحِقٌ إِنْ جَانَبَا
قُلْتُ: فَإِنْ تَنَاسَبَا فِي اللَّفْظِ
كَالضَّادِ وَالظَّاءِ فَذَاكَ اللَّفْظِيْ
وَإِنْ يُخَالِفْ فِي تَرَتُّبٍ دُعِيْ
بِالْقَلْبِ فِي الْكُلِّ وَفِي الْبَعْضِ رُعِيْ
فَإِنْ يَقَعْ فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ وَفِي
آخِرِهِ فَهْوَ مُجَنَّحٌ قُفِيْ
وَفَوْقَ حَرْفٍ أَوَّلاً مُتَوَّجُ
وَإِنْ تَوَالَيَا فَذَا مُزْدَوِجُ
وَإِنْ يَكُنْ تَجَاذَبَ الطَّّرْفَانِ
مُشَوَّشٌ قَدْ زَادَ فِي التِّبْيَانِ
وَبِالْجِنَاسِ أَلْحَقُوا شَيْئَيْنِ
إِحْدَاهُمَا تَشَابُهُ اللَّفْظَيْنِ
قُلْتُ: وَذَا تَجَانُسُ الْإِطْلاَقِ
وَالآخَرُ الْجَمْعُ فِي الاِشْتِقَاقِ
قُلْتُ: الْجِنَاسُ الْمَعْنَوِيْ أَنْ تُضْمِرَا
رُكْنَيْهِ وَالْمُرَادِفَيْنِ تَذْكُرَا
وَذِكْرُهُ لِوَاحِدٍ وَمَا رَدِفْ
أَوْ مَا يَدُلُّ بِإِشَارَةٍ عُرِفْ
ثُمَّ تَوَسُّطُ الْجِنَاسِ قُرِّرَا
وَشَرْطُ حُسْنٍ فِيهِ أَنْ لاَ يَكْثُرَا
فَإِنْ يَصِرْ تَوْرِيَةً وَانْحَصَرَا
فِي وَاحِدٍ فَقَدْ عَلاَ وَافْتَخَرَا
وَمِنْهُ رَدُّ عَجُزٍ لِصَدْرِ
أَنْ تَقَعَ اللَّفْظَةُ صَدْرَ النَّثْرِ
وَشِبْهُهَا فِي خَتْمِهِ وَالشِّعْرِ
فِي آخِرٍ وَشِبْهُهَا فِي الصَّدْرِ
لِذَلِكَ الْمِصْرَاعِ أَوْ صَدْرِ اللَّذَا
قَبْلُ كَذَا فِي حَشْوِهِ أَوْ خَتْمِ ذَا
قُلْتُ: فَإِنْ قَافِيَةٌ تُعَادُ فِي
أَوَّلِ ثَانٍ فَهُوَ تَسْبِيغٌ وَفِيْ
وَمِنْهُ تَطْرِيزٌ وَذَا أَنْ تَذْكُرَا
عِدَّةَ أَسْمَاءٍ وَبَعْدُ تُخْبِرَا
بِصِفَةٍ كَرَّرْتَهَا وَمِنْهُ
تَعْدِيدُكَ الْأَوْصَافَ فَرْدًا عَنْهُ
تَنْسِيقُهُمْ تَلَتْ صِفَاتُ الْعَظَمَةْ
تَلاَحَمَتْ مُسْتَحْسَنًا مُلْتَئِمَةْ
وَإِنْ يَجِئْ لَفْظٌ فَصِيحٌ وَارِدُ
مَا غَيْرُهُ يَسُدُّ فَالْفَرَائِدُ
وَإِنْ يَجِئْ وَغَيرُهُ سَدَّ وَلَهْ
تَخَصُّصٌ تَنْكِيتُهُمْ فَاسْتَعْمِلَهْ
اَلسَّجْعُ أَنْ تَوَاطَأَ الْفَوَاصِلُ
فِي خَتْمِهَا بِوَاحِدٍ، وَالْفَاضِلُ
مَا اسْتَوَتِ الْقَرِينَتَانِ ثُمَّ أَنْ
يَطُولَ ثَانٍ ثُمَّ ثَالِثٌ وَمَنْ
طَوَّلَ الاُولَى زَائِدًا لَمْ يَحْسُنِ
وَكُلَّ الاَعْجَازِ ابْنِهَا وَسَكِّنِ
وَفِي الْقُرَانِ قُلْ فَوَاصِلُ وَلاَ
يُقَالُ أَسْجَاعٌ فَعَنْهَا قَدْ عَلاَ
قُلْتُ: وَخَيْرُ السَّجْعِ مَا قَلَّ إِلَى
عَشَرَةٍ وَضَعْفُهَا مَا طُوِّلاَ
ثُمَّ اللَّتَانِ وَزْنُهَا ذُو خُلْفِ
مُطَرَّفٌ وَإِنْ وِفَاقًا تُلْفِي
وَلَيْسَ مَا فِي أَوَّلٍ مُقَابِلاَ
وَزْنًا وَلاَ تَقْفِيَةً لِمَا تَلاَ
فَالْمُتَوَازِي ضِدُّهُ مُرَصَّعُ
أَوْ خُصَّ بِالْعَجْزَيْنِ فَالْمُصَرَّعُ
وَإِنْ تَكُنْ قَدْ سَاوَتِ الْمُقَارَنَةْ
فِي الْوَزْنِ لاَ تَقْفِيَةٍ مُوَازَنَةْ
فَإِنْ تَكُنْ أَفْرَادُهَا مُقَابِلَةْ
لِلتَّالِ فِي أَوْزَانِهَا مُمَاثِلَةْ
وَقِيلَ: لاَ يَخْتَصُّ بِالتَّنْثِيرِ
وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَ بِالتَّشْطِيرِ
فِي كُلِّ شَطْرٍ سَجْعَتَانِ اتَّفَقَا
وَخَالَفَ الآخِرُ مَا قَدْ سَبَقَا
وَسَمِّ بِالتَّسْمِيطِ إِنْ تَوَالَتِ
ثَلاَثَةٌ وَبِالْوِفَاقِ وَافَتِ
وَإِنْ يُسَجِّعْ كُلَّهُ وَجَزَّأَهْ
مُخَالِفًا جُزْءًا بِجُزْءٍ تَجْزِئَةْ
وَالاِنْسِجَامُ مَا عَلاَ تَسَهُّلاَ
عُذُوبَةً وَمِنْ عَقَادَةٍ خَلاَ
وَغَالِبًا فِي النَّثْرِ إِذْ مَا انْسَجَمَا
مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ قَدْ يُرَى مُنْتَظِمَا
وَمِنْهُ قَلْبٌ عَكْسُهُ إِذَا سَلَكْ
كَطَرْدِهِ كَمِثْلِ "كُلٌّ فِي فَلَكْ"
وَالْحَرْفُ مِنْ قَبْلِ الرَّوِيْ مُلْتَزَمُ
فَسَمِّهِ لُزُومَ مَا لاَ يَلْزَمُ
كَقَوْلِهِ : "تَقْهَرْ" و"تَنْهَرْ" "صَدْرَكَا"
"وِزْرَكَ" "ظَهْرَكَ" وَبَعْدُ "ذِكْرَكَا"
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الْتِزَامٌ فِي الرَّوِيْ
أَوْ كَلِمَاتٍ فَهْوَ تَضْيِيقٌ قَوِيْ
وَمِنْهُ تَشْرِيعٌ بِأَنْ يُبْنَى عَلَى
قَافِيَتَيْنِ الْبَيْتُ كُلٌّ قَدْ حَلاَ
وَهْوَ الَّذِي أَبْدَعَهُ الْحَرِيرِيْ
وَوَسْمُهُ التَّوْأَمُ ذُو تَحْرِيرِ
قُلْتُ: الرَّوِيُّ إِذْ لِأَشْيَا يَصْلَحُ
فَذَلِكَ التَّخْيِيرُ خُذْ مَا يَرْجَحُ
وَإِنْ تَجِئْ قَافِيَةٌ مَحَلَّهَا
فَذَلِكَ التَّمْكِينُ مَهِّدْ قَبْلَهَا
وَمِنْهُ أَنْ تَأْتَلِفَ الْمَعَانِي
صَحِيحَةً مُوَافِقَ الْأَوْزَانِ
أَوْ وَافَقَ الْأَلْفَاظُ وَالْأَوْزَانُ
وَضِدُّهُ الطَّاعَةُ وَالْعِصْيَانُ
وَالْوَصْلُ وَالْقَطْعُ وَنَقْطُ الْأَحْرُفِ
وَتَرْكُهُ حَذْفٌ وَبِالْخُلْفِ يَفِي
وَاللَّفْظُ إِذْ يَقْرَؤُهُ الْأَلْثَغُ لاَ
يُعَابُ قَدْ سَمَّيْتُهُ الْمُنْتَخَلاَ
وَأَصْلُ حُسْنِ مَا مَضَى أَنْ يَتْبَعَا
اَللَّفْظُ مَعْنًى دُونَ عَكْسٍ وَقَعَا
خَاتِمَةٌ فِي السَّرِقَاتِ الشِّعْرِيَّةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا
إِنْ قَائِلاَنِ اتَّفَقَا فِي الْغَرَضِ
عَلَى الْعُمُومِ فَكِلاَهُمَا ارْتُضِيْ
كَالْوَصْفِ بِالسَّخَاءِ وَالشَّجَاعَةِ
وَلاَ يُعَدُّ سِرْقَةً لِلْعَادَةِ
أَوْ فِي الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ كَاْلَمَجَازْ
وَهَيْئَةٍ تَخُصُّ مَنْ لِلْوَصْفِ حَازْ
كَوَصْفِهِ الْجَوَادَ بِالتَّهَلُّلِ
لِطَالِبٍ وَالْقَبْضِ لِلْمُبَخَّلِ
فَإِنْ يَكُنْ مُقَرَّرًا كَالْبَطَلِ
بِأَسَدٍ فَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ
أَوْ لاَ فَفِيهِ السَّبْقُ كَالزِّيَادَةِ
قَدْ يُدَّعَى فَمِنْهُ ذُو غَرَابَةِ
فِي أَصْلِهِ وَمِنْهُ ذَو ابْتِذَالِ
أَغْرَبَهُ الْحُسْنُ فِي الاِسْتِعْمَالِ
فَسَمِّ بِالْإِبْدَاعِ مَا قَدِ اخْتُرِعْ
مِنَ الْمَعَانِي لَيْسَ قَبْلَهُ صُنِعْ
أَوْ سَمِّهِ سَلاَمَةَ اخْتِرَاعِ
وَذَلِكَ الشَّامِلُ لِلْأَنْوَاعِ
وَسَمِّ ذَا الشُّهْرَةِ مَعْ إِغْرَابِ
بِالطُّرْفَةِ النَّوَادِرِ الْإِغْرَابِ
وَالْأَخْذُ وَالسِّرْقَةُ ظَاهِرٌ وَلاَ
فَالظَّاهِرُ الْأَخْذُ لِمَعْنًى كَمَلاَ
مَعْ لَفْظِهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ دُونَهُ
فَذَاكَ مَحْضُ سِرْقَةٍ يَدْعُونَهُ
بِالاِنْتِحَالِ النَّسْخِ لَيْسَ يُقْبَلُ
كَذَا إِذَا بِرِدْفِهِ قَدْ يُبْدَلُ
وَأَخْذُ بَعْضِ اللَّفْظِ بِالتَّغْيِيرِ سَمْ
إِغَارَةً وَالْمَسْخَ ثُمَّ ذَا قِسَمْ
فَإِنْ يَكُنْ أَبْلَغَ لاِخْتِصَاصِهِ
بِنُكْتَةٍ فَامْدَحْهُ فِي اقْتِصَاصِهِ
أَوْ دُونَهُ ذُمَّ وَإِنْ تَسَاوَيَا
أَبْعَدُ مِنْ ذَمٍّ وَفَضِّلْ بَادِيَا
أَوْ أَخَذَ الْمَعْنَى فَقَطْ فَإِلْمَامْ
وَالسَّلْخُ وَهْوَ ذُو الثَّلاَثِ الْأَقْسَامْ
وَغَيْرُ ذِي الظُّهُورِ كَالتَّشَابُهِ
فِي الْمَعْنَيَيْنِ حِينَ قَدْ أَتَى بِهِ
أَوْ لِمَحَلٍّ آخَرٍ قَدْ نَقَلاَ
أَوْ لِنَقِيضٍ أَوْ يَكُونُ أَشْمَلاَ
أَوْ أَخَذَ الْبَعْضَ وَزَادَ حُسْنَا
وَكُلُّ ذَا يُقْبَلُ حَيْثُ عَنَّا
بَلْ رُبَّمَا أَحْسَنَ فِي التَّصَرُّفِ
فَصَارَ كَالْمُبْدِعِ لاَ كَالْمُقْتَفِي
وَكُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ فِي الْخَفَا
فَهْوَ إِلَى الْقَبُولِ أَقْرَبُ اقْتِفَا
هَذَا إِذَا يُعْلَمُ أَنَّ الثَّانِيْ
قَدِ اقْتَفَى الْأَوَّلَ فِي الْمَعَانِي
إِذْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَوَارُدِ
اَلْخَاطِرَيْنِ لاَ بِقَصْدٍ وَارِدِ
وَعِنْدَ فَقْدِ الْعِلْمِ قُلْ: "قَالَ كَذَا
وَغَيْرُهُ سَبَقَهُ"، أَوْ نَحْوَ ذَا
فَصْلٌ فِيمَا يَتَّصِلُ باِلسَّرِقَاتِ
مِنْ ذَاكَ الاِقْتِبَاسُ أَنْ يُضَمِّنَا
مِنَ الْقُرَانِ وَالْحَدِيثِ مَا عَنَى
عَلَى طَرِيقٍ لَيْسَ مِنْهُ مِثْلُ مَا
قَالَ الْحَرِيرِيُّ: (وَلَمَّا دَهَمَا
قُلْنَا جَمِيعًا شَاهَتِ الْوُجُوهُ
وَقَبُحَ اللُّكْعُ وَمَنْ يَرْجُوهُ)
فَمِنْهُ مَا لَمْ يُنْقَلِ الْمُقْتَبَسُ
عَنْ أَصْلِهِ وَمِنْهُ مَا قَدْ يُعْكَسُ
وَرُبَّمَا غُيِّرَ لِلْوَزْنِ فَلاَ
يَضُرُّهُ كَقَوْلِ بَعْضِ مَنْ خَلاَ:
"قَدْ كَانَ مَا قَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَا
إِنَّا إِلَى الْإِلَهِ رَاجِعُونَا"
قُلْتُ: وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ
فَمَالِكٌ مُشَدِّدٌ فِي الْمَنْعِ
وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَنَا صَرَاحَةْ
لَكِنَّ يَحْيَى النَّوَوِيْ أَبَاحَهْ
فِي النَّثْرِ وَعْظًا دُونَ نَظْمٍ مُطْلَقَا
وَالشَّرَفُ الْمُقْرِئُ فِيهِ حَقَّقَا
جَوَازَهُ فِي الزُّهْدِ وَالْوَعْظِ وَفِي
مَدْحِ النَّبِيْ وَلَوْ بِنَظْمٍ فَاقْتُفِيْ
وَتَاجُنَا السُّبْكِيْ جَوَازَهُ نَصَرْ
إِذِ التَّمِيمِيُّ الْجَلِيلُ قَدْ شَعَرْ
وَقَدْ رَأَيْتُ الرَّافِعِيَّ اسْتَعْمَلَهْ
وَغَيْرَهُ مِنْ صُلَحَاءَ كَمَلَةْ
وَمِنْهُ تَضْمِينٌ بِأَنْ يُضَمِّنَا
مِنْ شِعْرِ غَيْرِهِ وَأَنْ يُبَيِّنَا
ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَ أُولِي
بَلاَغَةٍ وَالْحُسْنُ فِيهِ أَنْ يَلِيْ
لِنُكْتَةٍ لَيْسَتْ هُنَاكَ ثُمَّ لاَ
يَضُرُّ تَغْيِيٌر فَبَيْتٌ كَمَلاَ
سَمْ بِاسْتِعَانَةٍ وَلِلْمِصْرَاعِ
فَدُونَهُ بِالرَّفْوِ وَالْإِيدَاعِ
قُلْتَ: فَإِنْ مِنْ نَظْمِهِ قَدْ جَعَلَهْ
فَذَاكَ تَفْصِيلٌ بِصَادٍ مُهْمَلَةْ
وَمِنْهُ عَقْدٌ نَظْمُ نَثْرٍ لاَ عَلَى
طَرِيقِ الاِقْتِبَاسِ مِمَّا قَدْ خَلاَ
وَضِدُّهُ الْحَلُّ وَتَمْلِيحٌ بِأَنْ
لِقِصَّةٍ يُشِيرُ أَوْ شِعْرٍ يَعِنْ
قُلْتُ: كَذَا قَدَّمَ مِيمًا وَانْتُقِدْ
وَشِبْهُهُ الْعُنْوَانُ فَافْهَمْ مَا قُصِدْ
فَصْلٌ
وَيَنْبَغِي التَّأْنِيقُ فِي ابْتِدَاءِ
وَفِي تَخَلُّصٍ وَفِي انْتِهَاءِ
بِأَعْذَبِ اللَّفْظِ وَحُسْنِ النَّظْمِ
وَصِحَّةِ الْمَعْنَى وَطِبْقِ الْفَهْمِ
فَلْيَجْتَنِبْ فِي الْمَدْحِ مَا يُطَّيَّرُ
بِهِ وَمَا مِنْهُ الْمَقَامُ يَنْفِرُ
وَخَيْرُهُ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ
وَسَمِّهِ بَرَاعَةَ اسْتِهْلاَلِ
وَاعْنَ بِتَشْبِيبٍ يَجِيءُ فِي الْكَلاَمْ
قَبْلَ الشُّرُوعِ مَا يُمَهِّدُ الْمَرَامْ
وَرَاعِ فِي تَخَلُّصٍ لِلْمَقْصِدِ
مُلاَئِمًا لِمَا بِهِ قَدِ ابْتُدِيْ
وَرُبَّمَا إِلَى سِوَاهُ يُنْتَقَلْ
كَمَا رَأَى الْمُخَضْرَمُونَ وَالْأُوَلْ
وَالْحُسْنُ فَصْلُهُ بِ"أَمَّا بَعْدُ" أَوْ
"هَذَا" كَمَا فِي ذِكْرِ صَادٍ قَدْ تَلَوْا
وَزَادَ فِي التِّبْيَانِ حُسْنَ الْمَطْلَبِ
بَعْدَ وَسِيلَةٍ أَتَى بِالطَّلَبِ
وَإِنْ يَجِئْ فِي الاِنْتِهَاءِ مُوذِنُ
بِخَتْمِهِ فَهْوَ الْبَلِيغُ الْأَحْسَنُ
وَسُوَرُ الْقُرْآنِ فِي ابْتِدَائِهَا
وَفِي خُلُوصِهَا وَفِي انْتِهَائِهَا
وَارِدَةٌ أَبْلَغَ وَجْهٍ وَأَجَلْ
وَكَيْفَ لاَ وَهْوَ كَلاَمُ اللهِ جَلْ
وَمَنْ لَهَا أَمْعَنَ فِي التَّأَمُّلِ
بَانَ لَهُ كُلُّ خَفِيٍّ وَجَلِيْ
وَتَمَّ ذَا النَّظْمُ بِتَيْسِيرِ الْأَحَدْ
سَلْخَ جُمَادَى الثَّانِ فِي يَوْمِ الْأَحَدْ
مِنْ عَامِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ الَّتِي
بَعْدَ ثَمَانِمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ
فِي أَلْفِ بَيْتٍ كَالنُّجُومِ تُزْهِرُ
وَكَالرِّيَاضِ فَاحَ مِنْهَا الزَّهَرُ
أُرْجُوزَةٌ فَرِيدَةٌ فِي أَهْلِهَا
إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي فَنِّهَا كَمِثْلِهَا
بِكْرٌ مَنِيعٌ سِتْرُهَا لِمَنْ دَنَا
وَمَنْ أَتَاهَا خَاضِعًا نَالَ الْمُنَى
زَفَفْتُهَا لِمَنْ نُهَاهُ رَاجِحُ
وَمَهْرُهَا مِنْهُ الدُّعَاءُ الصَّالِحُ
عَلِّيْ إِذَا صِرْتُ قَرِينَ الرَّمْسِ
تَنْفَعُنِي دَعْوَتُهُ فِي بُؤْسِيْ
وَأَحْمَدُ اللهَ عَلَى الْإِتْمَامِ
حَمْدًا يَفُوقُ الْبَدْرَ فِي التَّمَامِ
مُصَلِّيًا عَلَى نَبِيٍّ قَدْ عَلَتْ
أَوْصَافُهُ بَيْنَ الْوَرَى وَكَمَلَتْ