مختصر المنار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين؛ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أصول الشرع: الكتاب؛ والسنة؛ وإجماع الأمة؛ والقياس.
أما (الكتاب): فالقرآن المنقول متواتراً، وهو نظم ومعنى، وأقسامهما أربعة:
1ـ في وجوه النظم
(الخاص): وهو ما وضع لمعنى معلوم على الانفراد جنساً أو نوعاً أو عيناً، وحكمه: تناول المخصوص قطعاً؛ ولا يحتمل البيان؛ ومنه (الأمر): ويختص بصيغة لازمة فلا يكون الفعل موجباً، وموجَبه الوجوبُ؛ بعد الحظر أو قبله، ولا يقتضي التكرار؛ ولا يَحتمِله؛ سواء تعلق بشرط؛ أو اختص بوصف؛ فيقع على أقل جنسه، ويُحتَمَل كلهُ على الصحيح. وحكمه (نوعان): أداء: وهو إقامة الواجب، وقضاء: وهو تسليم بمثله به؛ ويتبادلان مجازاً؛ ويؤديان بنيتهما في الصحيح؛ ويجبان بسبب واحد عند الجمهور.
و(أنواع) الأداء ثلاثة: كامل: وهو ما يؤدى كما شرع، وقاصر: وهو الناقص عن صفته، وشبيه بالقضاء.
و(أنواع) القضاء ثلاثة: بمثل معقول، وبمثل غير معقول، وقضاء بمعنى الأداء، والحُسْنُ: لازم للمأمور به. أما لمعنى في عينه؛ وهو نوعان: أحدهما: ما لمعنى في وصفه، والآخر ملحق بهذا القسم؛ مشابه للحَسَن لمعنى في غيره، وحكم النوعين واحد، وأما لمعنى في غيره؛ وهو نوعان أيضاً: أحدهما ما لا يؤدى بالمأمور به، والآخر ما يؤدى به؛ وحكمها واحد أيضاً.
ثم (الأمر) نوعان: مطلق عن الوقت؛ فلا يوجب الأداء على الفور في الصحيح. (ونوع) مقيد به؛ وهو أنواع:
«الأول»: أن يكون الوقت ظرفاً للمؤدى؛ وشرطاً للأداء؛ وسبباً للوجوب؛ كوقت الصلاة، ومن حكمه اشتراط نية التعيين؛ فلا يسقط بضيق الوقت؛ ولا يتعين إلا بالأداء كالحانث.
«والثاني»: أن يكون الوقت معياراً له؛ وسبباً للوجوب؛ كشهر رمضان، ومن حكمه؛ نفي غيره فيه؛ فيصاب بمطلق الاسم؛ ومع الخطأ في الوصف؛ إلا في المسافر ينوي واجباً آخر عند أبي حنيفة رحمه الله. وفي النفل عنه روايتان، ويقع صوم المريض عن الفرض في الصحيح.
و«الثالث»: أن يكون معياراً له؛ لا سبباً كقضاء رمضان، ويشترط فيه نية التعيين، ولا يحتمل الفوات.
و«الرابع»: أن يكون مشكلاً؛ كالحج؛ ومن حكمه تعين أدائه في أشهره.
(فصل)
مخاطبة الكفار بالإيمان
والكفار مخاطبون بالإيمان؛ بناء على العهد الماضي؛ بإجماع الفقهاء؛ لا بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات في الصحيح.
ومنه النهي: وينقسم في صفة القُبْح كالأمر في الحُسْنِ:
«الأول»: ما قَبُحَ لمعنى في عينه وضعاً أو شرعاً.
و«الثاني»: ما قبح لمعنى في غيره وصفاً ومجاوراً.
والنهي عن الأفعال الحسية؛ من الأول، وعن الشرعية؛ من الثاني.
(وقد اختلف) العلماء فقال بعضهم: الأمر بالشيء نهي عن ضده وبالعكس، والمختار أنه يقتضي كراهة ضده؛ وبه ضد النهي كسنة واجبة.
(والعام): وهو ما تناول أفراداً متفقة الحدود على سبيل الشمول.
وحكمه: إيجاب الحكم فيما يتناوله قطعاً؛ حتى جاز نسخ الخاص به؛ ويكون بالصيغة والمعنى؛ وبالمعنى وحده.
و(المشترك): وهو ما تناول أفراداً مختلفة الحدود بالبدل.
وحكمه: التأمل فيه؛ ليترجح بعض وجوهه للعمل به، ولا عموم له.
و(المؤول): وهو ما يترجح من المشترك بعض وجوهه بغالب الرأي.
وحكمه: العمل به على احتمال الغلط.
2ـ في وجوه البيان
(الظاهر): وهو ما ظهر المراد منه بصيغته.
وحكمه: وجوب العمل بما ظهر منه.
و(النص): وهو ما زاد وضوحاً بمعنى من المتكلم.
وحكمه: وجوب العمل بما اتضح على احتمال تأويل مجازي.
و(المفسر): وهو ما ازداد وضوحاً على النص من غير تأويل.
وحكمه: وجوب العمل به على احتمال النسخ.
و(المحكم): وهو ما أحكم المراد به عن احتمال النسخ والتبديل.
وحكمه: الوجوب من غير احتمال.
ولهذه أربعة أخرى تقابلها وهي في وجوه الخفاء:
(الخفيٌّ): وهو ما خفي المراد منه بعارض يحتاج إلى الطلب.
وحكمه: النظر فيه لإظهار أن خفائه لزيادته أو نقصانه.
و(المشكل): وهو فوق الخفي لاحتياج الطلب والتأمل.
وحكمه: اعتقاد حقية المراد إلى أن يتبين بالطلب والتأمل.
و(المجمل): وهو ما اشتبه مراده فاحتاج إلى الاستفسار.
وحكمه: التوقف فيه إلى أن يتبين مراده من المجمل.
و(المتشابه): وهو ما لم يرج بيان مراده لشدة خفائه.
وحكمه: التوقف فيه أبداً مع اعتقاد حقية المراد به.
3ـ في وجوه استعمال ذلك النظم
(الحقيقة): وهي اسم لما أريد به ما وضع له.
و(المجاز): وهو اسم لما أريد به غير ما وضع له.
ومن حكمهما: استحالة اجتماعهما مرادين بلفظ واحد؛ ومتى أمكن العمل بالحقيقة سقط المجاز؛ وتترك الحقيقة بدلالة العادة ومحل الكلام، ومعنى يرجع إلى المتكلم
وسياق نظم واللفظ في نفسه.
و(الصريح): وهو ما ظهر مراده بيّناً.
وحكمه: ثبوت موجبه مستغنياً عن العزيمة.
و(الكناية): وهي ما لم يظهر المراد به إلا بقرينة.
وحكمه: عدم العمل بها دونَ نية؛ أو ما يقوم مقامها، والأصل في الكلام هو الصريح، وفي الكناية قصور لاشتباه المراد.
4ـ في معرفة وجوه الوقوف على أحكام النظم
1ـ (الاستدلال بعبارة النص): وهو العمل بظاهر ما سيق له الكلام.
2ـ (بإشارة النص): وهو العمل بما ثبت بنظمه لغة.
وهما سواء في إيجاب الحكم، والأول أحق عند التعارض.
وللإشارة عموم كالعبارة.
3ـ (بدلالة النص): هو ما ثبت بمعناه لغة، والثابت بدلالته كالثابت بعبارته وإشارته إلا عند التعارض، والثابت به لا يحتمل التخصيص إذ لا عموم له.
4ـ و(باقتضاء النص): وهو ما لم يعمل النص إلا بشرط تقدمه عليه.
والتنصيص لا يدل على التخصيص؛ والمطلق لا يحمل على المقيد، والقِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم.
(فصل)
في بيان الأحكام المشروعة
المشروعات نوعان:
(العزيمة): وهي أربعة أنواع؛ هي أصول الشرع:
(فرض): وهو ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه.
وحكمه: اللزوم تصديقاً بالقلب فيكفُر جاحده، وعملاً بالبدن فيفسق تاركه بغير عذر.
و(واجب): وهو ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة.
وحكمه: اللزوم عملاً بمنـزلة الفرض.
و(سنة): وهي الطريقة المسلوكة في الدين.
وحكمها: المطالبة بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب.
و(نفل): وهو ما زاد على العبادات.
وحكمه: إثابة فاعله ولا معاقبة على تاركه؛ ويلزم بالشروع فيه والتطوع مثله.
و(مباح): وهو ما ليس لفعله ثواب ولا لتركه عقاب.
و(رخصة): وهي ما تغير من عسر إلى يسر بعذر.
(فصل)
الأسباب والعلل للأحكام المشروعة
فسبب وجوب الإيمان حدوثُ العالم الذي هو علمٌ على وجود الصانع؛ وسبب الصلاةِ: الوقتُ؛ والزكاةِ: ملكُ المال؛ والصومِ: أيامُ رمضان، وزكاةِ الفطرِ: رأسٌ يمونه ويلي عليه، والحج: بيتُ الله، والعشرِ والخراجِ: الأرضُ النامية تحقيقاً أو تقديراً، والطهارة الصلاة، والمعاملاتِ: العالم، والعقوباتِ: ما نسب إليه، والكفاراتُ: أمر بين الحظر والإباحة.
الباب الثاني
1ـ بيان أقسام السنة
(السنة) هي المروي عن رسول الله قولاً وفعلاً وتقريراً.
2ـ بيان وجوه اتصالها بنا
(المتواتر): وهو الكامل الذي رواه قوم لا يحصى عددهم؛ ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب.
و(المشهور): وهو الذي في اتصاله شبهة، وهو ما انتشر من الآحاد حتى صار كالمتواتر.
و(المنقطع): وهو نوعان ظاهر وباطن.
(فالظاهر) هو المرسل؛ وهو المنقطع الإسناد وهو على أربعة أوجه:
1ـ ما أرسله الصحابي؛ وهو مقبول بالإجماع.
2ـ ما أرسله القرن الثاني؛ وهو حجة عند الحنفية.
3ـ ما أرسله العدل في كل عصر،وهو حجة عند الكرخي.
4ـ ما أرسل من وجه؛ وأسند من وجه فلا شبهة في قبوله عند من يقبل المرسل.
و(الباطن) على وجهين:(أحدهما): المنقطع لنقص الناقل، و(الثاني): المنقطع بدليل معارض.
3ـ حجية السنة
ما جعل الخبر فيه حجة
أ ـ فإن كان من حقوق الله خالصاً؛ يكون خبر الواحد حجة فيها إلا أن تكون من العقوبات ففيه خلاف الكرخي.
ب ـ وإن كان من حقوق العباد فيشترط فيه شرائط الأخبار، وإن لم يكن فيه إلزام يثبت بإخبار الآحاد، وإن كان فيه إلزام من وجه دون وجه شرط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة.
4ـ أنواع الخبر
في بيان نفس الخبر
وهو أربعة أقسام:
1ـ قسم متحتم الصدق وحكمه: اعتقاده والائتمار به.
2ـ وقسم محتم الكذب وحكمه: اعتقاد بطلانه.
3ـ وقسم يحتملهما وحكمه: التوقف فيه.
4ـ وقسم يترجح أحد احتماليه وحكمه: العمل به دون اعتقاد حقّيته.
(فصل)
في التعارض والترجيح
وإذا وقع التعارض بين الحجتين؛ فحكمه:
بين الآيتين: المصير إلى السنة، وبين السنتين: المصير إلى أقوال الصحابة؛ أو القياس؛ وبين القياسين: إن أمكن ترجيح أحدهما؛ وإلا فيعمل المجتهد بأيهما شاء بشهادة قلبه، وإذا كان في أحد الخبرين زيادة والراوي واحد يؤخذ بالمثبت للزيادة؛ وإذا اختلف الراوي جعل كالخبرين وعمل بهما عملاً بأن المطلق لا يحمل على المقيد في حكمين.
(فصل)
في أقسام بيان الحجج
هذه الحجج تحتمل البيان:
1ـ ويكون للتقرير: وهو تأكيد الكلام بما يقطع احتمال المجاز أو الخصوص، ويصح موصولاً ومفصولاً.
2ـ وللتفسير: وهو بيان المجمل والمشترك.
3ـ وللتغيير: وهو التعليق بالشرط والاستثناء، ويصح موصولاً فقط.
4ـ وللضرورة: وهو نوع بيان يقع بما لم يوضع له.
5ـ وللتبديل: وهو النسخ، ويجعل في حق الشارع بيان لمدة الحكم المطلق المعلوم عند الله تعالى، والقياس لا يصلح ناسخاً؛ وكذا الإجماع عند الجمهور. ويجوز نسخ كل من الكتاب والسنة بالآخر، ويجوز نسخ الحكم والتلاوة جميعاً ونسخ وصف الحكم كالزيادة.
(فصل)
في أفعال النبي
ومما يتصل بالسنن أفعال النبي عليه السلام وهي أربعة: مباح؛ ومستحب؛ وواجب؛ وفرض.
والصحيح أن كل ما علم وقوعه منه على وجه يقتدي به كما وقع، وما لا يعلم فمباح.
والصحيح أن شرائع من قبلنا إذا قص الله ورسوله من غير إنكار أنه شريعة لرسولنا.
وتقليد الصحابي واجب يترك به القياس.
ويجوز تقليد التابعي الذي ظهرت فتواه زمن الصحابة على الأصح.
الباب الثالث
الإجماع
قال العلماء: إجماع هذه الأمة حجة موجبة للعمل، وأعلى مراتبه:
إجماع الصحابة.
ثم من بعدهم على حكم لم يظهر فيه خلاف من سبقهم.
ثم إجماعهم على قول سبقهم فيه مخالف.
واختلاف الأمة على أقوالٍ؛ إجماع منهم على أن ما عداها باطل، وقيل هذا في الصحابة خاصة.
الباب الرابع
القياس
شرائطه:
1ـ أن لا يكون المقيس عليه مخصوصاً بحكمه بنص آخر.
2ـ وأن لا يكون الأصل معدولاً به عن القياس.
3ـ وأن يتعدى الحكم الشرعي الثابت بالنص بعينه إلى فرع هو نظيره؛ ولا نص فيه.
4ـ وأن يبقى حكم النص بعد التعليل على ما كان.
وركنه ما جعل علماً على حكم النص مما اشتمل عليه النص وجعل الفرع نظيراً له في حكمه بوجوده فيه.
(فصل)
الاجتهاد
وشرط الاجتهاد: أن يحوي علم الكتاب بمعانيه؛ ووجوهه، وعلم السنة بطرقها، ووجوه القياس مع شرائطه وحكمه الإصابة بغالب الرأي.
(فصل)
في بيان الأحكام والأسباب والعلل والشروط
والأحكام المشروعة التي تثبت بها الحجج أربعة أقسام وهي:
1ـ حقوق الله تعالى خالصة.
2ـ وحقوق العباد خالصة وما اجتمعا فيه.
3ـ وحق الله غالب وما اجتمعا فيه.
4ـ وحق العبد غالب.
وهذه الحقوق تنقسم إلى أصل وخَلَفٍ.
فالقسم الأول: كالإيمان أصله التصديق؛ والإقرار ثم صار الإقرار أصلاً؛ وخلفاً عن التصديق في أحكام الدنيا.
والقسم الثاني: ما يتعلق به الأحكام المشروعة وهو أربعة:
1ـ (سبب): وهو أقسام منها سبب حقيقي: وهو ما يكون طريقاً إلى الحكم وسبب مجازي: كاليمين بالله تعالى ونحوها وهو من العلل.
2ـ و(العلة): وهي عبارة عما يضاف إليه وجوب الحكم.
3ـ و(الشرط): وهو ما يتعلق به الوجود؛ دون الوجوب.
4ـ و(العلامة): وهي ما يعرِّف الوجود؛ من غير تعلق وجود ولا وجوب.
(فصل)
في بيان الأهلية
المعتبر فيها العقل؛ ومعترضاتها نوعان:
أ ـ سماوي: من قبل الله عزّ وجل؛ كالصغر والجنون
والنسيان والنوم والرق والعَتَهُ والحيض والنفاس والمرض والموت.
ب ـ ومكتسب: وهو من جهة العبد؛ كالجهل؛ والسفه؛ والسكر؛ والهزل؛ والسفر؛ والخطأ؛ والإكراه.
والمحرمات أنواع:
ـ منها ما لا رخصة فيه.
ـ ومنها ما يحتمل السقوط؛ وما لا تحتمله، وما تحتمله لا تسقط بعذر؛ وتحتمل الرخصة.
(فصل)
في المتفرقات
الإلهام: ليس بحجة وقال بعض الصوفية: أنه في حق الأحكام حجة.
و(الفراسة): وهي ما يقع في القلب بغير نظر في حجة.
و(الحكم): ما يثبت جبراً.
و(الدليل): وهو ما يتوصل بصحة النظر فيه إلى العلم.