"غياث الأمم في التياث الظلم" من تأليف الجويني (توفي ٤٧٨ هـ).
كتابه هذا كتاب علمي جامع، متخصص في أحكام الإمامة وما يليق بها أو يطرأ عليها، من أوائل ما كتب في هذا الباب، وندر وجود مزاحم له بحسن تقاسيمه وتفاريعه، وتقديراته واحتمالاته، فهو بحق من أنفس الكتب في موضوعه.
قال المؤلف: «فما أجدر هذه السدة المنيفة بمجموع يجمع أحكام الله تعالى في الزعامة ، بين الخاصة والعامة ، ليكون شوف الرأي السامي ، قدامه وأمامه ، فيما يأتي ويذر إمامه ، ثم تتأبد فائدته وعائدته إلى قيام القيامة .
…
أقسام الأحكام ، وتفاصيل الحلال والحرام ، في مباغي الشرع ومقاصده ، ومصادره وموارده ، يحصرها قسمان ، ويحويها في متضمن هذا المجموع نوعان : أحدهما : ما يكون ارتباطه وانتياطه بالولاة والأئمة ، وذوي الإمرة من قادة الأمة ، فيكون منهم المبدأ والمنشأ ، ومن الرعايا الارتسام والتتمة .
والثاني : ما يستقل به المكلفون ، ويستبد به المأمورون المتصرفون .
وأنا بعون الله وتوفيقه أذكر في القسم الأول ، في صفة الأئمة والولاة ، والرعاة والقضاة ، أبوابا منظمة ، تجري من مقصود القسم مجرى المقدمة . على أني آتي فيها ، وإن لم تكن مقصود الكتاب بالعجائب والآيات ، وأشير بالمرامز إلى منتهى الغايات ، وأوثر الإيجاز والتقليل ، مع تحصيل شفاء الغليل ، واختيار الإيجاز على التطويل ، بعد وضوح ما عليه التعويل ، ثم أقدر شغور الحين عن حماة الدين ، وولاة المسلمين ، وأوضح إذ ذاك مرتبط قضايا الولاية ، وأنهي الكلام إلى منتهى الغاية ، فإنه المقصود بالدرك والدراية ، وما نقدمه في حكم التوطئة والبداية .
ثم أنعطف على القسم الثاني ، وهو الذي يستوي إليه في الاحتياج القاصي والداني ، وأبين أن المستند المعتضد في الشريعة نقلتها ، والمستقلون بأعبائها وحملتها ، وهم أهل الاجتهاد الضامون إلى غايات علوم الشرع شرف التقوى والسداد ، فهم العماد والأطواد».