قال شيخ الإسلام: «كان عامة السلف متصفين بالزهد والورع على الوجه المشروع، والذين ألّفوا منهم كابن المبارك ووكيع وأحمد وآخرين كانوا يهتمون بإتباع السنة النبوية والآثار السلفية، ولهذا ذكروا في مؤلفاتهم زهد الأنبياء والصحابة والتابعين مع ذكر الأحاديث النبوية في أبوابها الخاصة. وكان عند المحدثين اهتمام بالغ بأحاديث الزهد والرقاق حيث كان من دأبهم أن يختموا المجالس العلمية على أحاديث الزهد والرقاق والورع للنصح والتذكير وترقيق القلوب.
وكانوا يتشددون في أسانيد الأحاديث في الحلال والحرام، بينما كانوا يتساهلون في الأسانيد حينما جاءت في الترغيب والترهيب والفضائل والزهد والرقاق، لا لإثبات الاستحباب بالحديث الضعيف الذي لا يحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي، فلا يثبت إلا بدليل شرعي، وإنما كانوا يريدون بهذا هو أن يكون العمل مما قد ثبت بنص أو إجماع كالتلاوة والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك ..... ، ونظير هذا ترخيصه في الحديث عن بني إسرائيل مع نهيه عن تصديقهم وتكذيبهم، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به.»
وقال: «والمقصود هنا أن المذكور عن سلف الأمة وأئمتها من المنقولات ينبغي للإنسان أن يميز بين صحيحه وضعيفه، كما ينبغي في المعقولات والنظريات، وكذلك في الأذواق والمواجيد، والمكاشفات والمخاطبات، فإن كل من صنف في هذه الأصناف الثلاثة فيها حق وباطل، ولا بد من التمييز في هذا وهذا. وجماع ذلك: أن ما وافق كتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه، وما كان عليه أصحابه فهو حق، وما خالف ذلك فهو باطل».
وقال: «ومن أجَلِّ ما صُنف في ذلك وأندره «كتاب الزهد» لعبد الله بن المبارك وفيه أحاديث واهية، وكذلك «كتاب الزهد» لهناد بن السري، ولأسد بن موسى وغيرهما. وأجود ما صُنِّف في ذلك: «الزهد» للإمام أحمد، لكنه مبوّب على الأسماء و «زهد ابن المبارك» على الأبواب، وهذه الكتب يذكر فيها زهد الأنبياء والصحابة والتابعين».