تكوين الراسخين

الاعتصام

من تأليف الشاطبي (توفي ٧٩٠ هـ).

قال المؤلف: «[إني] ولله الحمد لم أزل منذ فتق للفهم عقلي، ووجه شطر العلم طلبي أنظر في عقلياته وشرعياته، وأصوله وفروعه، لم أقتصر منه على علم دون علم، ولا أفردت عن أنواعه نوعًا دون آخر، حسبما اقتضاه الزمان والمكان، وأعطته المنّة المخلوقة في أصل فطرتي، بل خضت في لُِجَجه خوضَ المحسن للسباحة، وأقدمت في ميادينه إقدامَ الجريء، حتى كدت أتلف في بعض أعماقه، أو أنقطع في رفقتي التي بالأنس بها تجاسرت على ما قدر لي، غائبًا عن مقال القائل وعذلِ العاذل، ومعرضًا عن صدِّ الصاد ولومِ اللائم، إلى أن منّ علي الربُّ الكريم الرءوف الرحيم، فشرح لي من معاني الشريعة ما لم يكن في حسابي، وألقى في نفسي القاصرة أن كتاب الله وسنة نبيه لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول ولا أبقيا لغيرهما مجالا يعتد فيه، وأن الدين قد كمل، والسعادة الكبرى فيما وضع، والطلبة فيما شرع، وما سوى ذلك فضلال وبهتان وإفك وخسران، وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى محصّل لكلمتي الخير دنيا وأخرى، وما سواهما فأحلام وخيالات وأوهام، وقام لي على صحة ذلك البرهان الذي لا شبهة تَطْرُق حولَ حماه، ولا ترتمي نحوَ مرماه، ﴿ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون﴾، والحمد لله والشكر كثيرًا كما هو أهله.

فمن هنالك قويت نفسي على المشي في طريقه بمقدار ما يسر الله فيه، فابتدأت بأصول الدين عملًا واعتقادًا، ثم بفروعه المبنية على تلك الأصول، وفي خلال ذلك أتبين ما هو من السنن أو من البدع، كما أتبين ما هو من الجائز وما هو من الممتنع، وأعرض ذلك على علم الأصول الدينية والفقهية، ثم أطالب نفسي بالمشي مع الجماعة التي سماها رسول الله ﷺ بالسواد الأعظم في الوصف الذي كان عليه هو وأصحابه، وترك البدع التي نص عليها العلماء أنها بدع وأعمال مختلفة».

تحقيق مشهور تحقيق الشقير وآل الحميد والصيني تحقيق الهلالي تحقيق محمد رشيد رضا مكتوبًا

شروح صوتية ومرئية

مواد ذات صلة